للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سبحانه: ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٤٠]، وقال جل وعلا: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١١٢]» (١).

وجاء في حديث حذيفة بن أسيد في شأن الجَنِين: «فَيَقضي ربُّك ما يشاءُ، ويَكتبُ المَلَكُ» (٢).

وعن أبي موسى الأشعري ?، عن النَّبي : «اشْفَعُوا تُؤجروا، ويَقضي الله على لسان نَبِيِّه ما يشاء» (٣).

أنواع الإرادة:

لله-جل وعلا-إرادتان: كونية قدرية، ودينية شرعية.

قال ابنُ القيم : «وها هنا أمرٌ يَجب التَّنبيه عليه، وبمعرفته تزول إشكالات كثيرة تَعرض لمن لم يُحِط به عِلْمًا، وهو أن الله-سبحانه-له الخلقُ والأمرُ، وأمرُه-سبحانه-نوعان: أمر كَوني قَدَرِي، وأمر دِيني شَرعي.

فمشيئته-سبحانه-مُتعلقة بخلقه وأمره الكوني، وكذلك تتعلق بما يحب وبما يكره، كله داخل تحت مشيئته، كما خلق إبليس وهو يُبغضه، وخَلَقَ الشياطين والكفار والأعيان والأفعال المسخوطة له وهو يُبغضها، فمشيئته-سبحانه-شاملة لذلك كله.

وأمَّا محبته ورضاه فمُتعلقة بأمره الدِّيني وشَرعه الذي شَرَعَه على أَلْسِنة رُسلِه، فما وُجد منه تَعَلَّقَت به المحبةُ والمشيئةُ جميعًا فهو محبوبٌ للرَّبِّ، واقعٌ بمشيئته؛ كطاعات الملائكة والأنبياء والمؤمنين، وما لم يُوجد منه تَعَلَّقت به محبته وأمرُه الدِّيني، ولم تتعلق به مشيئته، وما وُجد من الكفر والفسوق والمعاصي تَعَلَّقت به مشيئتُه، ولم تتعلق به محَبَّتُه، ولا رِضاه ولا أمره الدِّيني، و ما لم يُوجد منها لم تتعلق به مشيئته ولا محبته، فلفظ المشيئة كونيٌّ، ولفظ المَحَبَّة دينيٌّ شرعيٌّ، ولفظ الإرادة ينقسم إلى إرادة كونية؛ فتكون هي المشيئة، وإرادة دينية؛ فتكون هي المحبة.

وإذا عرفت هذا فقوله تعالى: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧]، وقوله: ﴿لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥]، وقوله: ﴿وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] لا يناقض نصوص القدر والمَشيئة العامة الدَّالة على وقوع ذلك بمشيئته وقضائه وقدره؛


(١) انظر: «شفاء العليل» (ص ٩٣) بتصرف واختصار.
(٢) أخرجه مسلم (٢٦٤٥).
(٣) أخرجه البخاري (١٤٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>