للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإنَّ المَحَبَّةَ غيرُ المَشيئة، والأمرَ غيرُ الخلقِ، ونظير هذا: الأمر؛ فإنه نوعان: أمر تكوين، وأمر تشريع، والثاني قد يُعصى ويُخالف بخلاف الأول».

إلى أن قال : «فسبحانه أن يكون في مَملكته ما لا يشاءُ أو أن يشاء شيئًا فلا يكون، وإن كان فيها ما لا يُحِبُّه ولا يَرضاه، وإن كان يحبُّ الشيءَ فلا يكون لِعَدم مشيئته له، ولو شاءه لَوُجِد» (١).

فالعبودية لله نوعان:

الأَوَّل: عبوديَّة عامَّة، وهي عبودية القهر والملك لجميع الخلق، كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: ٩٣].

الثاني: عبودية خاصَّة، وهي عبودية الشرع من الإيمان والطاعة؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣].

وتَختلف الإرادتان في مُوجبهما، وفي مُتَعَلقهما:

ففي المُتعلق: الإرادة الكونية تتعلق فيما وَقَعَ سواء أَحَبَّه أم كَرِهَه.

والإرادةُ الشرعيَّةُ تتعلق فيما أَحَبَّه سواء وَقَعَ أم لم يقع.

وفي موجبهما: الإرادة الكونية يتعين فيها وقوع المُراد، والإرادة الشرعية لا يتعين فيها وقوع المراد، وعلى هذا يكون قول المؤلف: «ولا يكون في مُلْكِه ما لا يُريد»: يعني به: الإرادة الكونية.

ثم قال: «وأنه-سبحانه-على كلِّ شيء قدير مِنْ المَوجودات والمعدومات؛ فمَا مِنْ مخلوقٍ في الأرض ولا في السَّماء إلا الله خالقه سبحانه، لا خالقَ غيرُه، ولا رَبَّ سِواه».

فهنا يردُّ شيخ الإسلام على القدرية القائلين: إنَّ العبدَ مُستقلٌّ بعمله، وأنَّ اللهَ ليس بقادرٍ على فعله.

أي: أنَّه ما من شيءٍ موجود أو معدوم إلا واللهُ قادرٌ عليه، قال تَعَالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ٢٦]، وقال تَعَالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [فاطر: ٤٤].


(١) «شفاء العليل» (ص ١٠٥، ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>