للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم قال : «وَالأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي (رُؤْيَة الكُفَّارِ):

أَحَدُهَا: أَنَّ الكُفَّارَ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِحَالِ؛ لَا المُظْهِرُ لِلكُفْرِ، وَلَا المُسِرُّ لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ المُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عُمُومُ كَلَامِ المُتَقَدِّمِينَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَرَاهُ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْحِيدَ مِنْ مُؤْمِنِي هَذِهِ الأُمَّةِ، وَمُنَافِقِيهَا، وَغَبَرَاتٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَذَلِكَ فِي عَرْصَةِ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْ المُنَافِقِينَ، فَلَا يَرَوْنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ بْنِ خُزَيْمَة مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ القَاضِي أَبُو يَعْلَى نَحْوَهُ فِي حَدِيثِ إتْيَانِهِ ﷿ لَهُمْ فِي المَوْقِفِ؛ الحَدِيث المَشْهُور.

الثَّالِثُ: أَنَّ الكُفَّارَ يَرَوْنَهُ رُؤْيَةَ تَعْرِيفٍ وَتَعْذِيبٍ؛ كَاللِّصِّ إذَا رَأَى السُّلطَانَ، ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ؛ لِيَعْظُمَ عَذَابُهُمْ، وَيَشْتَدَّ عِقَابُهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَوْلِ غَيْرِهِمْ؛ وَهُمْ فِي الأُصُولِ مُنْتَسِبُونَ إلَى الإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِلَى سَهْل بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّسْتري» (١).

وممَّن رَجَّحَ رؤيَةَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ للهِ فِي عَرَصاتِ القيامةِ العَلَّامةُ ابنُ القيِّم (٢).

أما أهل الكفر فكما قالَ الله عنهم: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون) [المطفِّفين: ١٥]، فيُحجبون عن رؤية الله ﷿، ولا شك أن أعظم عطاءٍ يُعطاه المؤمن؛ النظرُ إلى وجهه الكريم.

ولذلك أحد الصحابة لما سمعَ ذلك قال: (لن نعدِم من ربٍ يضحكُ خيرا) (٣) فالله سيتجلَّى لعباده المؤمنين وسيرونه، وهذه الرؤية منها ما يكون في عرصاتِ يوم القيامة، ومنها ما يكون بعد دخولهم الجنة.

فمن عقيدةِ أهلِ السنَّةِ والجماعة أن رؤية الله ﷿ ثابتة بنصوصِ القرآن والسنَّة، فنؤمنُ بها ونصدِّقُ بها كما أخبرت بذلك النصوص.


(١) «مجموع الفتاوى» (٦/ ٤٨٦).
(٢) «حادي الأرواح» (ص ٢٦٢).
(٣) انظر سنن ابن ماجه برقم (١٨١)، والإمام أحمد في المسند مُسْنَدُ الْمَدَنِيِّينَ (١٦١٨٧)، ذكره الشيخ الالباني في السلسلة الصحيحة الجزء السادس، صفحة (٧٣٢)، وضعفه الأرنؤوط كما في المسند.

<<  <  ج: ص:  >  >>