والسلف يقولون: إن من نفى السؤال بأين، لا بد له من دليل يستدل به على انتفاء ذلك، ولا دليل لهم، ذلك لأنها مسألة إثبات الشرع، فمن أنكرها فإنما ينكر المصطفى". وقد خالف السلف في قولهم هذا الجهمية، والمعتزلة، ومتأخرة الأشاعرة، الذين يزعمون أنه لا يجوز السؤال عن الله تعالى بأين؛ لأن في ذلك سؤالاً عن المكان، وهم يزعمون أن الله ليس في مكان، لأن المكان لا يكون إلا للجسم، والله ليس بجسم، لأن الجسم لا يكون إلا محدثاً ممكناً ويظهر توضيح هذا الرأي في قول ابن الأثير في النهاية (٣/ ٣٠٤) "ولا بد في قوله "أين كان ربنا؟ " من تقدير مضاف محذوف، كما حدث في قوله تعالى ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ﴾ ونحوه فيكون التقدير: أين كان عرش ربنا؟ يدل عليه قوله ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ﴾ ". فقول ابن الأثير "أنه لا بد من تقدير مضاف محذوف" الذي دفعه إليه هو اعتقاده بأنه لا يجوز السؤال عن الله تعالى بأين، لأنه يترتب على ذلك إثبات الجهة والمكان لله تعالى، وهي منفية عنه كما هو مذهب الأشاعرة المتأخرين الذين يعد ابن "الأثير واحداً منهم. ومما يجدر ذكره أن ما هرب إليه ابن الأثير من تقدير المضاف لا ينجيه مما هرب منه، لأنه إذا أثبت الجهة لعرشه ﷾ ثبتت له أيضاً لكونه مستوياً عليه". انظر الاستقامة لابن تيمية (١/ ١٢٦ - ١٢٧). وقال الذهبي في العلو (ص ٢٦) بعد ذكر حديث الجارية: "وهكذا رأينا في كل من يُسأل أين الله، يبادر بفطرته ويقول في السماء. في الخبر مسألتان إحداهما: شرعية قول المسلم (أين الله)؟ وثانيهما: قول المسؤول (في السماء) فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى ﷺ" ا. هـ. " وقال القاضي أبو يعلى الفراء في كتاب "إبطال التأويل": قال بعد أن ذكر حديث الجارية: "اعلم أن الكلام في هذا الخبر في فصلين: أحدهما: في جواز السؤال عنه سبحانه بأين هو؟، وجواز الإخبار عنه بأنه في السماء"٧. وذكر أشياء، إلى أن قال: "وقد أطلق أحمد بذلك فيما أخرجه في "الرد على الجهمية" فقال: فقد أخبرنا بأنه في السماء فقال ﴿أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء﴾، وقال ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾، وقال ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ فقد أخبر الله ﷿ أنه في السماء وهو على عرشه". وذكر كلاماً طويلاً ليس هذا موضعه" "انظر إبطال التأويلات (١/ ٢٣٣). "