للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خَلْفَ غَيْرِهِ أُثِرَ ذَلِكَ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يُعْزَلَ أَوْ يَنْتَهِيَ النَّاسُ عَنْ مِثْلِ ذَنْبِهِ. فَمِثْلُ هَذَا إذَا تَرَكَ الصَّلاةَ خَلْفَهُ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَفُتْ الْمَأْمُومَ جُمُعَةٌ وَلا جَمَاعَةٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ تَرَكَ الصَّلاةَ يَفُوتُ الْمَأْمُومَ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ فَهُنَا لا يَتْرُكُ الصَّلاةَ خَلْفَهُمْ إلا مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلصَّحَابَةِ .

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الإِمَامُ قَدْ رَتَّبَهُ وُلاةُ الأُمُورِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ الصَّلاةِ خَلْفَهُ مَصْلَحَةٌ، فَهُنَا لَيْسَ عَلَيْهِ تَرْكُ الصَّلاةِ خَلْفَهُ، بَلْ الصَّلَاةُ خَلْفَ الإِمَامِ الأَفْضَلِ أَفْضَلُ" (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة والجماعة ويوالي المؤمنين، ولا يعاديهم، وإن رأى بعضهم ضالاً أو غاوياً وأمكن أن يهديه ويرشده فعل ذلك، وإلا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإذا كان قادراً على أن يولي في إمامة المسلمين الأفضل ولاه، وإن قدر أن يمنع من أظهر البدع والفجور منعه.

وإن لم يقدر على ذلك فالصلاة خلف الأعلم بكتاب الله وسنة نبيه والأسبق إلى طاعة الله ورسوله أفضل، كما قال النبي -في الحديث الصحيح: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا سواء فأقدمهم هجره، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً) (٢).

وإن كان في هجره لمظهر البدعة والفجور مصلحة راجحة هجره، كما هجر النبي -الثلاثة الذين خُلِّفُوا حتى تاب الله عليهم، وأما إذا وُلِّي غيره بغير إذنه، وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية كان تفويت هذه الجمعة والجماعة جهلاً وضلالاً، وكان قد رَدَّ بدعة ببدعة) (٣).

وخلاصة القول: أن أكثر العلماء يرون جواز الصلاة خلف المبتدع على التفصيل الذي قدمناه، ومنهم من منعها وأبطلها وقال بوجوب إعادتها، وممن رجح صحة الصلاة: الإمام البخاري وابن حجر وابن تيمية. ومن المعاصرين الشيخ ابن باز وهو يفصل بين من كانت بدعته شركية كفرية وبين من ليس كذلك فيقول: (تصح الصلاة خلف المبتدع وخلف المسبل إزاره وغيرهما من العصاة في أصح قولي


(١) انظر: مجموع الفتاوى: ٢٣/ ٣٥٢ - ٣٥٤
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه ١٠٧٩.
(٣) مجموع الفتاوى (٣/ ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>