ولهذا كان المنافقون تقبل منهم علانيتهم، وتوكل سرائرهم إلى الله تعالى بخلاف من أظهر الكفر) (١)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: "وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الإِمَامَ مُبْتَدِعٌ يَدْعُو إلَى بِدْعَتِهِ، أَوْ فَاسِقٌ ظَاهِرُ الْفِسْقِ، وَهُوَ الإِمَامُ الرَّاتِبُ الَّذِي لا تُمْكِنُ الصَّلاةُ إلا خَلْفَهُ، كَإِمَامِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَالإِمَامِ فِي صَلاةِ الْحَجِّ بِعَرَفَةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُصَلِّي خَلْفَهُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.
وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْعَقَائِدِ: إنَّهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا.
وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ إلا إمَامٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّهَا تُصَلَّى خَلْفَهُ الْجَمَاعَاتُ؛ فَإِنَّ الصَّلاةَ فِي جَمَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ صَلاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الإِمَامُ فَاسِقًا. هَذَا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ: أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، بَلْ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَد.
وَمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الإِمَامِ الْفَاجِرِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا وَلا يُعِيدُهَا؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الأَئِمَّةِ الْفُجَّارِ وَلا يُعِيدُونَ، كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ؛ حَتَّى إنَّهُ صَلَّى بِهِمْ مَرَّةً الصُّبْحَ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: أَزِيدُكُمْ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا مَعَك مُنْذُ الْيَوْمَ فِي زِيَادَةٍ!! وَلِهَذَا رَفَعُوهُ إلَى عُثْمَان …
وَالْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ صَلاتُهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ؛ فَإِذَا صَلَّى الْمَأْمُومُ خَلْفَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ، لَكِنْ إنَّمَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ الصَّلاةَ خَلْفَهُ لأَنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ، وَمِنْ ذَلِكَ [يعني: ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةً أَوْ فُجُورًا لا يُرَتَّبُ إمَامًا لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ حَتَّى يَتُوبَ فَإِذَا أَمْكَنَ هَجْرُهُ حَتَّى يَتُوبَ كَانَ حَسَنًا وَإِذَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا تَرَكَ الصَّلاةَ خَلْفَهُ وَصَلَّى
(١) مجموع الفتاوى ٢٣/. ٣٤٢
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute