«واعلم أني ذكرتُ اعتقاد أهل السنة على ظاهر ما ورد عن الصحابة والتابعين مجملًا من غير استقصاء؛ إذ قد تقدم القول عن مشايخنا المعروفين من أهل الإمامة والديانة إلا أني أحببت أن أذكر (عقود أصحابنا المتصوفة) فيما أحدثه طائفة انتسبوا إليهم مما قد تخرصوا من القول مما نَزَّه الله المذهب وأهله من ذلك.
إلى أن قال: وقرأت لمحمد بن جرير الطبري في كتاب سَمَّاه «التبصير» كتب بذلك إلى أهل طبرستان في اختلاف عندهم، وسألوه أن يُصَنِّف لهم ما يعتقده ويذهب إليه؛ فذكر في كتابه اختلاف القائلين برؤية الله تعالى؛ فذكر عن طائفة إثبات الرؤية في الدنيا والآخرة.
ونسب هذه المقالة إلى الصوفية قاطبة، لم يَخص طائفة دون طائفة؛ فتبين أن ذلك على جهالة منه بأقوال المحصلين منهم؛ وكان مَنْ نسب إليه ذلك القول-بعد أن ادعى على الطائفة-ابن أخت عبد الواحد بن زيد؛ والله أعلم بمحله عند المحصلين؛ فكيف بابن أخته؟!
وليس إذا أحدث الزائغ في نِحلته قولًا نسب إلى الجملة؛ كذلك في الفقهاء والمحدثين ليس من أحدث قولًا في الفقه؛ أو لبَّس فيه حديثًا ينسب ذلك إلى جملة الفقهاء والمحدثين.
واعلم أن لفظ الصوفية وعلومهم تختلف؛ فيُطلقون ألفاظهم على موضوعات لهم ومرموزات وإشارات تجري فيما بينهم؛ فمَن لم يداخلهم على التحقيق، ونازل ما هم عليه رجع عنهم خاسئًا وهو حسير.
ثم ذكر إطلاقهم لفظ الرؤية بالتقييد؛ فقال: كثير ما يقولون: رأيت الله. وذكر عن جعفر بن محمد قوله لما سئل: هل رأيت الله حين عبدتَه؟ قال: رأيت الله ثم عبدته. فقال السائل: كيف رأيته؟ فقال: لم تَره الأبصار بتحديد العيان؛ ولكن رأته القلوب بتحقيق الإيقان. ثم قال: يرى في الآخرة كما أخبر في كتابه وذكره رسوله ﷺ. فهذا قولنا وقول أئمتنا دون الجهال من أهل الغباوة فينا».