للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما قول الإمام أحمد: الذي يفتي الناس يتقلد أمراً عظيماً ... إلخ، فهذا المفتي ينقل من أقوال العلماء ما هو عليه لا له، وما يهدم أصله ويرد قوله، وهو لا يشعر؛ وهذا من نصر الله للحق، وإظهاره على لسان من يجادل فيه ويماحل. فقول الإمام أحمد يرد على من قال: الاختلاف رحمة، لا يتجه إلا على القول بأن الاختلاف نقمة لا رحمة، فحينئذ يخاف على المفتي، ويتقلد أمراً عظيماً؛ هذا وجه التعظيم والتحذير في كلام أحمد، ويشهد له قوله: ينبغي لمن أفتى أن يكون عالماً بقول من تقدمه، وإلا فلا يفتي; يريد أن العلم بأقوال العلماء سبب للإصابة، ومعرفة الحق في نفس الأمر، وليس المقصود أنه يأخذ بكل قول ويفتي به، فيكون اختلافهم رحمة كما زعمه هذا. وكذلك فيه رد لقول من قال: كل مجتهد مصيب، لأنه إذا اجتهد فلا محذور عليه، فلا يتجه قوله: يتقلد أمراً عظيماً، يدل عليه قوله بعده: من تكلم في شيء ليس له فيه إمام أخاف عليه الخطأ; وكلام الإمام من جنس واحد في ذم الخطإ والاختلاف، ولو كان الاختلاف ممدوحاً ورحمة لم يكن لهذا الخوف معنى.

وهذا المفتي دائماً يضع كلام أهل العلم في غير موضعه، ويزيل بهجته وطلاوته; وأعجب من هذا: أنه حكى عبارة الفروع، وهي قوله: وليس لحاكم أو غيره أن يبتدي الناس بقهرهم على ترك ما يسوغ، وإلزامهم برأيه اتفاقاً، فلو جاز هذا لجاز لغيره مثله، وأفضى إلى التفرق والاختلاف؛

<<  <  ج: ص:  >  >>