فقف على هذا وانظر هذه العبارة، وطابق بينها وبين ما يدعيه هذا من مدح الاختلاف وأنه رحمة، وانظر ما بينهما من التباين والتخالف؛ من ذلك أنه منع الحكام كالمفاتي ونحوهم من إلزام بمذاهبهم السائغة، وفي هذا أن قوله الذي منع من الإلزام به ليس برحمة، بل ولا يحكم عليه بأنه صواب، وإلا فما المانع من إلزام الناس بالرحمة والصواب؟ وفيه أن المنهي عنه الإلزام بترك ما يسوغ، ومن خالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو قياساً جلياً، فقوله غير سائغ، فيلزم بترك ما لا يسوغ ويتعين عليه ذلك، وعند هذا المفتي: أن كل الاختلاف رحمة فلا إنكار فيه.
وقوله: فلو جاز هذا لجاز لغيره مثله، وأفضى إلى التفرق والاختلاف، يقال للمفتي أنقذه الله من أوحاله: متى كان التفرق والاختلاف عندك مذموماً، حتى تورد هذه العبارة؟! فإن مذهبك إلى أن التفرق والاختلاف رحمة، وهذا نص في ذمه وأنه ليس برحمة، ولذلك نهى عنه؛ فينبغي للرجل إن فاته العلم أن يتعقل ما يقول، أو يدع الناس من شره.
وكذلك ما نقله أبو الحارث عن الإمام أحمد من أنه لا يجوز الاختيار، إلا لعالم بالكتاب والسنة مميز فيهما، يقال في جوابه: فأين اختلاف العلماء الذي هو رحمة؟ أما أفادت الرحمة جواز الاختيار؟ هذا أقل أحوال الرحمة، فكيف حصر الإمام أحمد الجواز لعالم بالكتاب والسنة مميز فيهما، والاختلاف الذي هو رحمة قد شاع وذاع، وملأ البقاع؟! قد