الماء، كنتم قد أصبتم وعملتم بقول نبيكم صلى الله عليه وسلم، سواء كان في نفس الأمر طاهراً أم لا؛ فإن من شك في شيء وتورع عنه، فقد أصاب، ولو تبين بعد ذلك أنه حلال.
وعلى كل حال: فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله ليبين للناس ما نزل إليهم، أراد أن يشرع لأمته أن كل ماء دون القلتين بقلال هجر، إذا لاقى شيئاً نجساً أنه يتنجس، ويصير شربه حراماً، ولا يقبل صلاة من توضأ به، ولا من باشره شيء منه، حتى يغسله، ولم يبين ذلك لهم حتى أتاه أعرابي يسأل عن الماء بالفلاة ترده السباع التي تأكل الميتات، ويسيل فيه من ريقها ولعابها، فأجابه بقوله:" إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث " ١، أراد بهذا اللفط أن يبين لأمته، أنه إذا بلغ خمسمائة رطل بالعراقي لا ينجس إلا بالتغير، وما نقص نجس بالملاقاة، وصار كما وصفنا، فمن زعم ذلك فقد أبعد النجعة، وقال ما لا يعلم، وتكلم فيما سكت عنه، واتبع المتشابه، وجعل المتشابه من الحرام البين.
ونسأل الله أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما يحب ويرضى، ويعلمنا الكتاب والحكمة، ويرينا الحق حقاً ويوفقنا لاتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويوفقنا لاجتنابه، ولا يجعله علينا ملتبساً فنضل؛ وهذه القواعد في جميع أنواع العلوم الدينية عامة، وفي علم الفقه من كتاب الطهارة إلى باب الإقرار خاصة.