الحاضرين، فلأن لا يجوز في حق أرواح الأموات التي قد فارقت أجسادها، لا يعلم مستقرها إلا الله أولى; قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}[سورة النحل آية: ٢٠-٢٢] . وأنت ترى أكثر الناس انصرفت قلوبهم عن فهم الحق ومعرفته بدليله، حتى تمكنت الشبهات منهم فظنوها بينات، فأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل; وهذا هو الواقع، لا يخفى على ذوي البصائر؛ وقد أنزل الله كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، كما قال تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} إلى قوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}[سورة الجاثية آية: ١٨-١٩] .
الوجه الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر، فيما تواتر عنه، من النهي عن وسائل هذا التعلق والالتجاء بالأموات والرغبة إليهم، فنهى عن اتخاذ القبور مساجد؛ وصرح طوائف من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم، كأصحاب مالك والشافعي بالتحريم لذلك. وقد حكى شيخ الإسلام، رحمه الله، الإجماع على التحريم لذلك، وهو الإمام الذي لا يجارى في ميدان معرفة الخلاف والإجماع، لما في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو