ويقول: إن القدر: التضييق، مثل قوله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [سورة الطلاق آية: ٧] ، وإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب صام، وصامه بعض الصحابة.
فأجاب: هذا القول أخذ به بعض الحنابلة وبعضهم مع الأئمة الثلاثة، وأكثر العلماء لا يقولون بوجوبه ولا باستحبابه؛ قال في الإنصاف: وإن حال دون منظره غيم أو قتر وجب صومه، وعنه: لا يجب، قال الشيخ: هذا مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه، ولا أصل للوجوب في كلامه، ولا كلام أحد من الصحابة، رضي الله عنهم، أنه صامه، إلا عبد الله بن عمر احتياطاً، قاله ابن القيم، وذكر أن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنكر عليه صيامه. قال الحافظ محمد بن عبد الهادي، رحمه الله تعالى: وقد روى من غير وجه مرفوعاً: النهي عن صوم الشك، منهم حذيفة وابن عباس. ونص الإمام أحمد في رواية المروذي: أن يوم الثلاثين من شعبان إذا غم الهلال يوم الشك، وهذا القول صحيح بلا ريب.
قال الحافظ: وليس في الحديث الذي استدل به المتأخرون دليل على وجوبه أصلاً، بل هو حجة على عدم الوجوب، فإن معنى اقدروا: احسبوا له قدره، وذلك بثلاثين يوماً، فهو من قدر الشيء وهو مبلغ كميته، ليس من الضيق في شيء، والدليل على ذلك، ما في صحيح مسلم عن ابن عمر: " فإن أغمي عليكم، فاقدروا ثلاثين " ١ أي: فأكملوا العدة ثلاثين، وابن عمر هو الذي روى حديثهم الذي احتجوا به
١ البخاري: الصوم (١٩٠٠, ١٩٠٦, ١٩٠٧, ١٩٠٨, ١٩١٣) والطلاق (٥٣٠٢) , ومسلم: الصيام (١٠٨٠) , والنسائي: الصيام (٢١٢٠, ٢١٢١, ٢١٢٢, ٢١٣٩, ٢١٤٠, ٢١٤١ ,٢١٤٢, ٢١٤٣) , وأبو داود: الصوم (٢٣١٩, ٢٣٢٠) , وابن ماجة: الصيام (١٦٥٤) , وأحمد (٢/٥, ٢/١٣, ٢/٢٨, ٢/٣١, ٢/٤٠, ٢/٤٣, ٢/٤٤, ٢/٥٢, ٢/٥٦, ٢/٦٣, ٢/٧٥, ٢/٧٧, ٢/٨١, ٢/١٢٢, ٢/١٢٥, ٢/١٢٩, ٢/١٤٥) , ومالك: الصيام (٦٣٣, ٦٣٤) , والدارمي: الصوم (١٦٨٤) .