للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان سبب الحق خفيا، بحيث يتهم بالأخذ والنسب إلى الخيانة ظاهرا، لم يكن له الأخذ، وعرض نفسه للتهمة والخيانة، إن كان في الباطن آخذ حقه، كما أنه ليس له أن يتعرض للتهمة التي تسلط الناس على عرضه، وإن ادعى أنه محق غير متهم،

قال ابن القيم رحمه الله: وهذا القول أصح الأقوال وأسدها، وأوفقها للشريعة، وبه تجتمع الأحاديث. فإنه قد روى: أبو داود في سننه، من حديث يوسف بن ماهك، قال: كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليهم، فغالطوه بألف درهم فأداها إليهم، فأدركت له من أموالهم مثلها، فقلت اقبض الألف الذي ذهبوا به منك، قال: لا، حدثني أبي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك " ١ وهذا وإن كان في حكم المنقطع، فإن له شاهدا من وجه آخر،

وفي المسند عن بشير بن الخصاصية، أنه قال: "يا رسول الله: إن لنا جيرانا لا يدعون لنا شاذة ولا فاذة إلا أخذوها، فإذا قدرنا لهم على شيء أنأخذه؟ قال: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك".

فهذه الأحاديث: تبين أن المظلوم في نفس الأمر، إذا كان ظلمه غير ظاهر، وقدر على مال لمن ظلمه وأخذه خيانة، لم يكن له ذلك، وإن كان هو يقصد أخذ نظير حقه، لكن خان الذي ائتمنه، فإنه إذا سلم إليه ماله، فأخذ بعضه بغير إذنه ولا باستحقاق ظاهر كان خائنا، وإن قال أنا مستحق في


١ الترمذي: البيوع (١٢٦٤) , وأبو داود: البيوع (٣٥٣٥) , والدارمي: البيوع (٢٥٩٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>