للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدم من سفر ونحو ذلك تلقياً له فحسن. وإذا كان من عادة الناس إكرام القادم بالقيام، ولو ترك ذلك لاعتقد أن ذلك بخس من حقه، أو قصد لخفضه، ولم تعلم العادة الموافقة للسنة، فالأصلح أن يقام له لأن في ذلك إصلاح ذات البين، وإزالة التباغض والشحناء.

وأما من عرف أن عادة القوم الموافقة للسنة، فليس في ترك ذلك إيذاء له، وليس هذا القيام هو القيام المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يتمثل له الرجال قياماً، فليتبوأ مقعده من النار " ١، فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا لمجيئه إذا جاء؛ ولهذا فرقوا بين أن يقال: قمت إليه، وقمت له; فالقيام للقادم قد سواه في القيام، بخلاف القيام للقاعد، وقد ثبت في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم في مرضه قاعداً وصلوا قياماً، أمرهم بالقعود، وقال: " لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضاً" ٢، فقد نهاهم من القيام في الصلاة وهو قاعد، لئلا يشبه الأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود.

وجماع ذلك: أن الذي يصلح، اتباع عادة السلف وأخلاقهم، والاجتهاد في ذلك بحسب الإمكان؛ فمن لم يعتقد ذلك، أو لم يعرف العادة، وكان في ترك مقابلته بما اعتاده الناس مفسدة راجحة، فإنه تدفع إحدى المفسدتين بالتزام أدناهما، كما تحصل على المصلحتين بتفويت


١ الترمذي: الأدب (٢٧٥٥) , وأبو داود: الأدب (٥٢٢٩) .
٢ أبو داود: الأدب (٥٢٣٠) , وأحمد (٥/٢٥٣ ,٥/٢٥٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>