وقال ابن مفلح في الآداب الكبرى - لما تكلم على هذه المسألة، وذكر الفرق بين القيام له والقيام إليه – قال: وأما القيام عنه لإيثاره بمجلسه، فقد ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث قام صلى الله عليه وسلم عن فاطمة فأجلسها مكانه، ذكره ابن عبد البر في المجالس. انتهى.
فتبين بهذا الكلام الذي حكيناه عن هذين الإمامين الجليلين، رحمة الله عليهما: أن من القيام ما هو محرم، كقيام بعض الناس لمن يعظمونه من الملوك ونحوهم، يقومون لهم تعظيماً وهم قعود، وهو مثل ما يفعله الأعاجم من قيام بعضهم لبعض; ومن القيام ما هو جائز، كالقيام على رأس بعض الأمراء خوفاً عليه، فهذا جائز لذلك السبب; وقد ورد مثل ذلك من بعض الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في صلح الحديبية، وهو مذكور في كتاب الهدي النبوي، في موضعه من الكتاب، فليرجع إليه.
ومن ذلك: ما هو مستحب، كالقيام إلى القادم من سفر، والقيام عن الداخل لإيثاره بمجلسه، وكالقيام للذي لا يعرف عادة السلف في كراهة القيام، ويعتقد أن ترك القيام إليه بخس في حقه، أو قصد لخفضه، لأن القيام إليه في هذه الحال مصلحة راجحة، وهي إصلاح ذات البين، وإزالة الشحناء والتباغض؛ فهذا تفصيل الكلام في هذه