للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضي الله عنه لما جاءه بعد موته: "أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها، ولن يجمع الله عليك موتتين"، وقال سبحانه عن أهل الجنة: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى} [سورة الدخان آية: ٥٦] ، يعني: التي كانت في الدنيا. أفيكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات موتة ثانية، بعد الموتة الأولى؟

وأيضا: لو كان في قبره حيا، مثل حياته على ظهر الأرض، لسأله أصحابه عما أشكل عليهم، قال عمر رضي الله عنه:" ثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن، الجد، والكلالة، وأبواب من الربا ".فهلا جاء إلى قبره؟ واستسقى بالعباس ولم يجئ إلى قبره يستسقي به.

ومعلوم ما صار بعده صلى الله عليه وسلم من الاختلاف العظيم، ولم يجئ أحد إلى قبره صلى الله عليه وسلم يسأله عما اختلفوا فيه؟ وفي الحديث المشهور: " ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " ١، فهذا يدل على أن روحه صلى الله عليه وسلم ليست دائمة في قبره، ومعرفة الميت زائره، ليس مختصا به صلى الله عليه وسلم.

والذين يظنون أن حياته في قبره كحياته قبل موته، يقرؤون في كتاب الشفاء وغيره، الحكاية المشهورة عندهم: أن الإمام مالكا قال للمنصور، لما رفع صوته في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: لا ترفع صوتك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن حرمته ميتا، كحرمته حيا. وقد عقد ابن القيم - رحمه الله - في النونية، فصلا على من ادعى هذه الدعوى، وأجاد رحمه الله.


١ أبو داود: المناسك (٢٠٤١) , وأحمد (٢/٥٢٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>