للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذان المرسلان من وجهين مختلفين، يدلان على ثبوت الحديث، لا سيما وقد احتج من أرسله به، وذلك يقتضي ثبوته عنده، لو لم يكن روي من وجوه مسندة غير هذين، فكيف وقد روى مسندا؟

ووجه الدلالة: أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدا، فغيره أولى بالنهي كائنا من كان؛ ثم إنه قرن ذلك بقوله: "ولا تتخذوا بيوتكم قبور ا" ١، أي لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء، فتكون بمنْزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون، من النصارى ومن تشبه بهم.

وقد قال الإمام أحمد: إذا سلم الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم أراد الدعاء فليستقبل القبلة، ويجعل الحجرة عن يساره، لئلا يستدبره؛ وكذلك ذكر أصحاب مالك، قالوا: يدنو من القبر، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو مستقبل القبلة.

وقال مالك في "المبسوط": لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويصلي. فقصد الدعاء عند القبر كرهه السلف، متأولين في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تتخذوا قبري عيدا " ٢ كما ذكرنا ذلك عن علي بن الحسين،


١ البخاري: الصلاة (٤٣٢) والجمعة (١١٨٧) , ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٧٧٧) , والترمذي: الصلاة (٤٥١) , والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (١٥٩٨) , وأبو داود: الصلاة (١٤٤٨) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٧٧) , وأحمد (٢/٦) .
٢ أبو داود: المناسك (٢٠٤٢) , وأحمد (٢/٣٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>