للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْئاً} [سورة النساء آية: ٣٦] أي: في العبادة، وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [سورة الكهف آية: ١١٠] .

فإذا علم الإنسان حقيقة الشرك، عرف يقينا أن الشرك وقع في الجزيرة كثيرا، عند مشاهد وقبور، يمنا وحجازا، من دعاء الأموات والغائبين، والاستغاثة بهم من سؤال الحاجات، وتفريج الكربات، والتقرب إليهم بالنذور، والذبائح، وكذلك الذبح للجن والاستعاذة بهم؛ وهذا معلوم بالتواتر عند من لم يشاهد ذلك.

فإذا تحقق الإنسان ذلك، علم أن قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب " ١ ليس فيه معارضة لهذا الأصل العظيم، الذي هو أصل الأصول، وليس فيه دلالة على استحالة وجود الشرك في أرض العرب.

فمن استدل بهذا الحديث على استحالة وجود الشرك في أرض العرب، يقال له: بيِّن لنا الشرك الذي حرمه الله، وأخبر أنه لا يغفره فإن فسره بالشرك في توحيد الربوبية، فنصوص القرآن تبطل قوله، لأن الله سبحانه أخبر عن المشركين أنهم يقرون بتوحيد الربوبية، كما في قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [سورة الزخرف آية: ٩] ؛ والآيات في ذلك كثيرة.

وإن فسر الشرك ببعض أنواع العبادة دون بعض، فهو مكابر، ويخاف على مثله أن يكون من الذين في قلوبهم زيغ،


١ مسلم: صفة القيامة والجنة والنار ٢٨١٢ , والترمذي: البر والصلة ١٩٣٧ , وأحمد ٣/٣١٣ ,٣/٣٥٤ ,٣/٣٦٦ ,٣/٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>