للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، مع أنه ليس في الحديث حجة لهم ولا شبهة ; وإنما معنى الحديث: أنه يئس أن يجتمعوا كلهم على الكفر.

قال ابن رجب على هذا الحديث، المراد: أنه يئس أن تجتمع الأمة كلها على الكفر، وأشار ابن كثير إلى هذا المعنى عند تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ [سورة المائدة آية: ٣] قال ابن عباس: يعني يئسوا أن تراجعوا دينهم، وكذا قال عطاء والسدي، ومقاتل.

قال: وعلى هذا يرد الحديث الصحيح: " إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب " ١، فأشار إلى أن معنى الحديث موافق لمعنى الآية، وأن معنى الحديث: أنه يئس أن يرجع المسلمون عن دينهم إلى الكفر.

قال غير واحد من المفسرين: إن المشركين كانوا يطمعون في عود المسلمين إلى دينهم، فلما قوي الإسلام وانتشر، يئسوا من رجوعهم عن الإسلام إلى الكفر؛ وكذا معنى إياس الشيطان، لما رأى من ظهور الإسلام وانتشاره، وتمكنه من القلوب ورسوخه فيها ; وعلى هذا: فلا يدل الحديث على أن الشيطان يئس من وجود الشرك، في جزيرة العرب أبد الآبدين.

ويدل لما ذكرناه: ما رواه الإمام أحمد، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، رنّ إبليس رنة اجتمعت إليه جنوده، فقال: ايئسوا أن تردوا أمة محمد إلى الشرك


١ مسلم: صفة القيامة والجنة والنار ٢٨١٢ , والترمذي: البر والصلة ١٩٣٧ , وأحمد ٣/٣١٣ ,٣/٣٥٤ ,٣/٣٦٦ ,٣/٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>