للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم في دينهم فأفشوا فيهم النوح".

وأيضا: ففي الحديث نسبة الإياس إلى الشيطان مبنيا للفاعل، لم يقل أُيس بالبناء للمفعول، ولو قدر أنه يئس من عبادته في أرض العرب إياسا مستمرا، فإنما ذلك ظن منه وتخمين لا عن علم، لأنه لا يعلم الغيب، وهذا غيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [سورة الجن آية: ٢٦-٢٧] فإنه يطلعه على ما يشاء من الغيب.

وقد قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [سورة لقمان آية: ٣٤] أي: ما تكسب غدا من خير وشر؛ وهذا من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله، " لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله " ١ الحديث.

وكانت الشياطين والجن، في زمن سليمان بن داود عليهما السلام، يدعون علم الغيب، فلما مات سليمان، لم يعلموا بموته إلا بعد سنة، وهم في تلك السنة دائبون في التسخير والأعمال الشاقة، فلما علموا بموته؛ تبين لهم أنهم لا يعلمون الغيب.

وعلمت الإنس أيضا أن الجن لا يعلمون الغيب، قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سورة سبأ آية: ١٤] .


١ البخاري: التوحيد ٧٣٧٩ , وأحمد ٢/٥٢ ,٢/٥٨ ,٢/٨٥ ,٢/١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>