للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونبينا صلوات الله وسلامه عليه أخبر أنه يجاء برجال من أمته يوم القيامة، فيؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، فيقول: أصحابي أصحابي ; فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ; فيكف يقال: إن الشيطان يعلم ما تستمر عليه الأمة من خير وشر، وكفر وإسلام، وهذا غيب لا يعلمه إلا الله، ومن يطلعه عليه من رسله؟

فتبين بما ذكرنا أنه لا دلالة في الحديث على استحالة وقوع الشرك، في جزيرة العرب ; ويوضح ذلك أن أكثر العرب ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكثير منهم رجعوا إلى الكفر وعبادة الأوثان، وكثير صدقوا من ادعى النبوة كمسيلمة وغيره.

ومن أطاع الشيطان في نوع من أنواع الكفر فقد عبده، لا تختص عبادة الشيطان بنوع الشرك، لقوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [سورة يس آية: ٦٠] ، أي: لا تطيعوه فعبادته طاعته.

يوضح ذلك تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [سورة التوبة آية: ٣١] الآية، أنه طاعتهم في التحريم والتحليل، فسمى الله ذلك شركا، وعبادة منهم للأحبار والرهبان.

وأيضا: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى " ١، وقال: " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة " ٢، وهو


١ مسلم: الفتن وأشراط الساعة ٢٩٠٧.
٢ البخاري: الفتن ٧١١٦ , ومسلم: الفتن وأشراط الساعة ٢٩٠٦ , وأحمد ٢/٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>