من القرآن، كما قال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}[سورة هود آية: ١٢٣] . وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب، وهو مناسب ; لأنه لما أثنى على الله تعالى فكأنه قرب وحضر بين يدي الله تعالى، فلهذا قال:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[سورة الفاتحة آية: ٥] كما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى، ناسب أن يعقب بالسؤال، كما قال:" فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل " وهذا أكمل أحوال السائل: أن يمدح مسؤوله، ثم يسأله حاجته وحاجة إخوانه المؤمنين، بقوله:{اهْدِنَا} لأنه أنجح وأجمع للإجابة، ولهذا أرشد الله تعالى إليه; لأنه الأكمل ; والهداية ها هنا: الإرشاد والتوفيق.
قال العلامة ابن القيم: وكذلك اشتدت حاجة العبد بل ضرورته إلى أن يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم، فليس العبد أحوج منه إلى هذه الدعوة، وليس شيء أنفع له منها، فإن الصراط المستقيم يتضمن علوما وإرادات وأعمالا، ومدارك ظاهرة وباطنة تجري عليه كل وقت.
فتفاصيل الصراط المستقيم قد يعلمها العبد وقد لا يعلمها ; وقد يكون ما لا يعلمه أكثر مما يعلمه؛ وما يعلمه قد يقدر عليه وقد لا يقدر عليه، وهو من الصراط المستقيم وإن عجز عنه.