الوجه الأول: هو: ما تقرر في الأصول من أن العلة قد تعيّن معلولها، وذلك مجمع عليه في الجملة; ومن أمثلة صوره المجمع عليها: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان" ١ فإن المسلك المتقدم، الذي هو مسلك الإيماء والتنبيه، قد دل أيضا: على أن علة منع الحاكم من القضاء، في هذا الحديث الصحيح، هي: الغضب. إلا أن هذه العلة، التي هي الغضب عممت معلولها، وهو نهي الحاكم عن القضاء في كل حالة مشوشة للفكر، كالجوع والعطش المفرطين، والسرور والحزن المفرطين، والحقن والحقب المفرطين، ونحو ذلك، لأن تشويش الفكر المانع من استيفاء النظر في الحكم غير الغضب. وإيضاح ذلك في الآية التي نحن بصددها: أنه جل وعلا لما قال: {فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[سورة الأحزاب آية: ٥٣] ، وبين علة ذلك المشتملة على حكمته، فقال تعالى:{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[سورة الأحزاب آية: ٥٣] ، فبين أن العلة في ذلك هي طهرية قلوب النوعين، والتباعد عن دواعي الريبة وقذر القلوب؛ ولا شك أن هذه العلة تشمل جميع نساء المؤمنين، لأنهن يطلب في حقهن طهارة قلوبهن وطهارة قلوب الرجال من الميل إلى ما لا ينبغي منهن.