فليس لقائل أن يقول: هذا الأدب الكريم السماوي، المقتضي المحافظة على الشرف والدين، وطهرية القلوب من الميل إلى الفجور، يجوز إلغاؤه وإهداره بالنسبة لغير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من نساء المؤمنين، لأن طهارة القلب، ومجانبة أسباب الرذيلة، أمر مطلوب من الجميع بلا شك، مع أن النفوس أشد هيبة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من غيرهن، لأنهن أمهات المؤمنين. الوجه الثاني: أن الأصل المقرر عند العلماء المؤيد بالدليل، هو استواء جميع الناس في أحكام التكليف، ولو كان اللفظ خاصا ببعضهم، إلا ما جاء النهي مصرحا بالخصوص فيه؛ ولذلك فجميع الخطابات العامة يدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وأحرى غيره; وما ذلك إلا لاستواء الجميع في الأحكام الشرعية، إلا ما قام عليه دليل خاص. فقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم بما يتضمن ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قال:"لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" ١. فكأنهم يقولون له: أأنت داخل معنا في هذا العموم؟ وهو يجيبهم بنعم، وما ذلك إلا لاستواء الجميع في الأحكام الشرعية.
فإن قيل: آية الحجاب تخص بمنطوقها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.