وصف الإسلام ما في العدل، من فوز، ورضى، وخير، واستقامة وما في الحيف من شقاء، وبلاء وشر؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسم العدل في القضاء رسما مستقيما ليس بذي عوج، وزاده بسيرته العملية بيانا واستنارة.
انظر إلى قصة المخزومية التي سرقت، وأمر بقطع يدها، وشفاعة أسامة بذلك; وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله: لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" ١.
فاستبانت قضيته عليه الصلاة والسلام لأصحابه في أجلى مظهر، فاقتدوا بهديه الحكيم، وأيدوا للناس القضاء، الذي يزن بالقسطاس المستقيم، كما في كتاب عمر لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ فإن للإسلام في سيرة رجاله الذين أوتوا العلم، والإيمان أثرا كبيرا في إصلاح القضاء، والسير به على المنهج القويم.
والمحاكم لا تشرق بنور العدل، إلا أن يمسك بأزمتها رشيد العقل، وقوي الإيمان بيوم المعاد؛ فالخوف من الله ومراقبته تحمل القاضي على تحقيق النظر في كل واقعة، بحيث يتطلب معرفة الحق، ويبلغ في تطلبه منتهى استطاعته.
ولا يتعجل بما يلوح له من أول فهم يبدو له، بل
١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٧٥) , ومسلم: الحدود (١٦٨٨) , والترمذي: الحدود (١٤٣٠) , والنسائي: قطع السارق (٤٨٩٩) , وأبو داود: الحدود (٤٣٧٣) , وابن ماجه: الحدود (٢٥٤٧) , وأحمد (٦/١٦٢) , والدارمي: الحدود (٢٣٠٢) .