يتأنى، ويبحث عما تستدعيه مجريات القضية، حتى ولو علم أن قضاءه نافذ المفعول، وما له فيه معقبا. فمن ملوك الأندلس من يعزل القاضي إذا رأى منه التعجل في فصل الأحكام التي تستدعي بطبيعتها شيئا من التروي والتعقل، إذ يبدو من تعجله عدم تحرجه، من إثم الخطأ في الحكم.
فإن التقوى هي التي توقف القاضي عند حدود العدل، لا يخرج عنها قيد شعرة؛ وانظر إلى خبر عقبة بن يزيد، قاضي بغداد، وتخوفه على دينه، حيث قدمت له هدية فردها، واستقال من أجلها.
فقد روي أن عقبة بن يزيد، قاضي بغداد في أيام الخليفة المهدي، جاء إليه في بعض الأيام وقت الظهيرة، وهو منفرد، فلما دخل عليه استأذنه فيمن يسلم إليه القمطر الذي فيه قضايا مجلس الحكم، واستعفاه من القضاء، وطلب منه أن يقيله من ولايته.
فظن الخليفة المهدي أن بعض الأمراء من البيت المالك قد عارضه في حكمه; فقال له في ذلك: إن كان عارضك أحد لننكرنّ عليه; فقال القاضي: لم يكن شيء من ذلك; قال: فما سبب استعفائك من القضاء؟
قال يا أمير المؤمنين، كان قد تقدم إلي خصمان منذ شهر في قضية مشكلة، وكل يدعي بينة وشهودا، ويدلي