بحجج تحتاج إلى تأمل وتثبت، فرددت الخصوم رجاء أن يصطلحوا، وأن يظهروا الفصل بينهما; فسمع أحد الخصوم أني أحب الرطب، فعمد في وقتنا هذا، وهو أول أوقات الرطب، لا يتهيأ في وقتنا هذا جمع مثله لأمير المؤمنين، وما رأيت أحسن منه، ورشا خادمي بدراهم، على أن يدخل الطبق، ولا يبالي عاقبة ذلك.
فلما أدخله علي أنكرت ذلك، وطردت خادمي، وأمرت برد الطبق إليه. فلما كان اليوم، تقدم الخصمان إلي فما تساويا في عيني، ولا في قلبي، فهذا يا أمير المؤمنين وأنا لم أقبل الهدية، فكيف يكون حالي لو قبلت؟ ولا آمن أن تقع علي حيلة في ديني فأهلك، وقد فسد الناس؛ فأقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله، وأعفني أعفاك الله. فشدد في هذا الطلب، فلم يسع الخليفة إلا إقالته من القضاء، إجابة لطلبه وإلحاحه في ذلك.
ويروى أن منذر بن سعيد البلوطي، كان قاضيا بقرطبة، في أيام زهرة الإسلام، في تلك البلاد التي أخنى عليها الدهر، وأصبحت أثرا بعد عين. وفي عصره احتاج الخليفة الناصر إلى شراء دار في قرطبة، فوقع استحسانه على دار كانت لأولاد أيتام، قصّر؛ وكانت قريبة لبعض أملاكه، وهذه الدار يتصل بها حمام له غلة واسعة.