الخليفة من قوّم الدار بقدر ما طابت نفسه به، وأرسل أناسا أمرهم بمداخلة وصي الأيتام في بيعها عليهم; فقال: إنه لا يجوز ذلك إلا بأمر القاضي.
وأرسل الخليفة إلى القاضي منذر، ليبيع هذه الدار، فقال القاضي لرسوله: البيع على الأيتام لا يصح إلا بوجوه; منها: الحاجة، ومنها: الوهي الشديد; ومنها: الغبطة. فأما الحاجة بهذه الأيتام إلى البيع فلا; وأما الوهي فليس فيها؛ وأما الغبطة فهذا مكانها، فإن أعطاهم أمير المؤمنين فيها ما تستديم به الغبطة فأمر وصيهم بالبيع، وإلا فلا.
فنقل جوابه إلى الخليفة، فأظهر الزهد في شراء الدار، طمعا في أن يتوخى رغبته فيها، وخاف القاضي أن تنبعث منه عزيمة تلحق الأيتام ثورتها، فأمر وصي الأيتام بنقض الدار، وبيع أنقاضها. ففعل ذلك، وباع الأنقاض، فكانت لها قيمة أكسب مما قومت به للخليفة الناصر، فاتصل الخبر بالخليفة، فعز عليه خرابها، وأمر بتوقيف الوصي على ما أحدثه فيها، فأحال الوصي على القاضي أنه أمر بذلك.
فأرسل عند ذلك إلى القاضي منذر، وقال له: أنت أمرت بنقض دار أخي نجدة؟ فقال له: نعم. فقال: وما دعاك إلى ذلك؟ قال: أخذت فيها بقوله تعالى: {أَمَّا