لبيد: الثقة بحلمك أيها الملك. فاقسم باغلظ قسم كان يقسم به لا قمت من مجلسي، ولا شربت كأسي ولا بلت في مثانتي، حتى تعطوني رضاي أو أضرب أعناقكم! فلما رأوا ذلك، قال لبيد: يا عوف، أما إن تكفينه وأكفيك من حوله، أو أكفيكه وتكفينهم؟ فقال عوف: يا لبيد إنهم يهابون شعرك، فاكفينهم حتى أكمله. فقام لبيد فأستكشف أصحاب النعمان وجلساءه. فقالوا: ما كنا لنعين عليكم مع علمنا بشرفكم - وقام عوف فأخذ بيد أبنين له، فقال: أبيت اللعن هذان أبناي بما تطلب منا. فشرب كأسه، ثم أخذت الخمرة منه، فصفح عنهم ثم قال لعوف: يا عوف، آينا اليوم أعظم منة من الآخر أنا أم أنت؟ فقال: بل أنت أبيت اللعن. فقال١٤١ لا بل أنت يا عوف لأنك أخرجتني من قسمي: ولولا ذلك لكنت بين أحد أمرين: أما إن أحنث فأكون أكذب العرب، أو إن أتم على قولي فاقدم على قتل قوم ليسوا من أهل مملكتي، وقد جاءوني وفداً مستسلمين. فلست أدري من أي أحوال لنعمان أعجب: من عجزه عن بلوغ غزه وأدرك ثأره منهم، وهو ملك العرب وهم قبيلة واحدة أم من ابتياعه أسراهم بماله وأخذهم إياهم من القد والقيود ليقتلهم، وهذا أقبح من الأول؟! ثم إنه لو تمم على قتلهم بعد إن صاروا بيده، أي ثأر كان يدرك لذلك أم أي غيظ كان يشفى به؟ وهل بسط اليد بالقتل وغيره إلى أسير موثق بالقيد إلا كبسطها إلى الميت؟! وهل هذا مما يدرك به ثأرا، وينفي به عارا، ويشفى به غيظ النفوس الأبية، أو يعد به من أفعال ذوي الأنوف الحمية أم من قسمه بأنه لأبال في مثانيه حتى يكون كذا؟ وهل يسمع من أرذال الناس وأوباشهم بمثل هذا القسم الغريب الفاحش العجيب؟ فكيف من ملك يلبس التاج ويجلس على السرير، ويقال له أبيت اللعن؟ وهل يجوز للعقلاء من السوق إن يتلفظوا على رؤوس الناس بمثل