كل إنسان منا يقع في معصية الله عز وجل وجل، فنحن لسنا ملائكة، فقد يعصي الإنسان ربه إما بقلبه بالتفكير في غير الله جلا في علاه، أو بشهوة من شهوات هذه الدنيا، أو بغفلة القلب عن ذكر الله جلا في علاه، وقد يعصي بلسانه فيسب أو يشتم أو يغتاب، أو بعينه فينظر إلى ما حرم الله، فكيف يمكن أن يتعبد الإنسان لربه بصفة الأولية وهو يعصى الله؟ والجواب هو: إن الله جلا في علاه جعل العبد يعمل المعصية، فإن كان مؤمناً فإن الله جلا في علاه أراد أن يرده إليه رداً جميلاً، وهذا من أولية الله جل في علاه، فبعد أن يعصي العبد ربه يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(وخير الخطائين التوابون)، فيذهب ليتوب إلى الله، وهذه التوبة ليست منه إنما هي من الله.
وكثير من الناس من يعصي الله ويقول: سوف أتوب، ولا يتوب؛ ذلك لأن التوبة ليست بيد الناس ولا بقلوبهم مع أن الله أمرهم بها لكنها ليست بأيديهم، فقد يعصي العبد ويتعدى حدود الله، ثم يريد أن يتوب فلا تكون منه، وإنما تكون من الأول، والدليل على ذلك قول الله تعالى في الذين خلفوا:{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}[التوبة:١١٨]، فما تابوا من أنفسهم، بل إن الله هو الذي ابتدأ لهم التوبة، فأودع في قلوبهم الندم على المعصية، ثم بعد ذلك وفق اليد أن ترتفع لتتضرع وتتذلل وتتمسكن، ثم وفق اللسان أن يخشع ساكناً لربه جل في علاه معترفاً بذنبه، فيقول ما قاله يونس:{لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧].
فينبغي على العبد أن يتعبد الله بصفة الأولية فيقول: توبتي ليست بيدي، بل هي بيد الأول سبحانه وتعالى.
والتوبة منّة عظيمة منّ الله بها على العبد بعد أن عصاه، وهو قادر على أن يأخذه، فالله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ولكنه سبحانه ابتدأ له الخير بأوليته فوفق قلبه للندم على المعصية، ثم بعد ذلك ذلل لسانه بالذكر والاستغفار، ثم رفع يديه إلى ربه فقبل منه توبته.