إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فنحن اليوم على موعد مع صفة من صفات الجليل، هذه الصفة صفة ذاتية لا تنفك عن الله جل في علاه أزلاً ولا أبداً، وهي صفة الحكم؛ قال عز وجل:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}[الأنعام:٥٧] يعني: أن الحكم كله يرجع لله جل في علاه، يفصل في كل أمورنا في الدنيا وفي الآخرة، وهذه الصفة أجمع عليها أهل السنة والجماعة، وهذا الإجماع ينبني على الكتاب والسنة، أما من الكتاب فقد قال الله تعالى:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا}[الأنعام:١١٤]، والحكم هنا اسم من أسماء الله جل في علاه يتضمن صفة كمال وهي الحكم، وقال الله تعالى:{فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا}[الأعراف:٨٧]، وفي سورة يوسف ذكر الحكم صريحاً فقال:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}[يوسف:٤٠]، ففي هذه الآية قصر الحكم على الله وحده لا شريك له.
أما من السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يكنى بـ أبي الحكم فقال:(لمَ كناك الناس بهذا الاسم؟ فقال: إنهم كانوا يتحاكمون إلي، فأحكم بينهم فيأخذون بحكمي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الحكم، ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)) [الأنعام:٥٧]، ثم قال: ما اسم ابنك الأكبر؟ فقال: اسمه شريح، فقال: أنت أبو شريح)، فكناه باسم ابنه الأكبر، فهذا دليل من السنة على أن الحكم المطلق لا يكون إلا لله جل في علاه.