إن علمت أن ربك هو الواحد الأحد فإنك لن تعبد غيره، ولم تخف إلا منه جل في علاه، وإذا وقعت في أمر جلل فإن اعتقادك الصحيح سيكون بالواحد، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فقد صح عنه أنه (نام ذات مرة تحت شجرة وسيفه معلق بالشجرة، فقام رجل كافر من الأعراب على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترط السيف ثم قال له: يا محمد! -بعدما أيقضه- من ينقذك مني؟ هذا سيف مصلت على رقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولنا أن نتساءل من منا يمكن أن يتدبر هذا الاعتقاد الصحيح، ويستحضر أن الواحد الأحد هو الذي يملك يد هذا الرجل، فيملك أن يشل هذه اليد في وقتها وفي لحظتها، بل يملك ما هو أعظم من ذلك! أن يقبض روح هذا الرجل! إن ذلك لا يكون إلا لمن يعتقد الاعتقاد الجازم في أحدية الله، وهو حين يعتقد ذلك لن يخف من أحد أبداً، ولن يوقع همه إلا في الله جل في علاه.
وجسد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال للأعرابي: (الله هو الذي ينقذني منك)، فلما قال ذلك وقع السيف من يد الرجل.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله متفرد بالإحياء والإماتة، ويحول بين المرء وقلبه، فكل يد لا تتحرك إلا بالله جل في علاه، وكل نَفَس لا يخرج ولا يدخل إلا بمشيئة الله جل في علاه، ولذا فكل من اعتقد ذلك وعمل به فقد فاز في هذه الدنيا والآخرة، وأصبح سيداً على الناس، وكان خير من طبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف وقال للرجل:(من ينقذك مني؟ فقال الرجل: كن خير آخذ) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير آخذ.
كما أنك إذا تعبدت لربك بصفة الأحدية فإنك تعلم أن الممدوح بحق من مدحه الله، والمذموم بحق من ذمه الله جل في علاه، فالواحد هو الذي يمدح والواحد هو الذي يذم، فلو اجتمع من بأقطار الأرض ليمدحوك فلن ينفعوك بشيء، ولو اجتمع من بأقطارها ليذموك فلن يضروك بشيء أبداً إلا بإذن الله.
وقد جاء أن أعرابياً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أعطني -يعني: أعطني من الفيء- أعطني فإن مدحي زين وذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم - وهو المتعبد لربه بهذه الصفة العظيمة الجليلة-: (ذاك الله)، فعلم أن المدح بحق من الواحد الأحد، وأن الذم بحق من الواحد الأحد، وأيما قلب عمِّر بهذا الإيمان، واعتقد هذا الاعتقاد فأنى يخسر في هذه الدنيا، وأنى تبور أعماله في الآخرة، بل سيكون من الفائزين المكرمين يوم القيامة.