إن العبد يتعبد الله جل في علاه بهذه الصفة، فتحل عليه البركة في نفسه وماله وولده، وقد كان العوام يقولون قولاً حسناً جميلاً وهو: قليل مبارك خير من كثير غير مبارك فيه، فالعبرة بالبركة لا بالكثرة، فإن العبد إذا علم أن البركة من الله جل في علاه علم أن القليل من الله مبارك فيقنع به، ولا يتطلع لغيره، ولا يحقد أو يتطلع إلى الحرام فيرتشي أو يأخذ المال الحرام أو يأكل الربا؛ لأنه عنده قليل مهما بلغ، فهو ممحوق البركة، وأما القليل فهو يعلم أن الله إذا أنزل فيه البركة كفاه وكفى قوماً مثله.
وقد صحت الأخبار أن البركة تحل بأهل الخير في آخر الزمان، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة:(أن عيسى ابن مريم عليه السلام عندما ينزل يقتل الخنزير، ولا يقبل الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام، ويبارك الله في الرمانة حتى أن القوم يستظلون بقشرها)، وذكر في ذات الحديث أن المرء يرى المال فائضاً عندهم، حتى أن كلاً منهم يأخذه يريد أن يتصدق به فما يجد من يأخذ منه الصدقة؛ وذاك لأنها قد عمت البركة، فإذا علم العبد أن البركة بيد الله جل في علاه قنع بهذا القليل، وهذا الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نصح أبا ذر، فقال له:(في أمر الدنيا لا تنظر إلا لمن هو دونك؛ حتى لا تزدري نعمة الله عليك، وفي أمر الآخرة انظر لمن فوقك؛ حتى تتنافس معه في الخيرات).
والشاهد من الحديث قوله: لا تنظر إلا لمن دونك؛ وذلك حتى تعلم أن البركة معك وأن الله جل وعلا إذا بارك لك في هذا الطعام فلن ينفد، وإذا بارك لك في هذا المال فلن ينفد، ولا تخشى النفاد.