[تعبد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بصفة الحمد لله تعالى]
ولقد استشعر النبي والصحابة حقيقة هذه الصفة فتعبدوا الله عز وجل بها وجعلوها واقعاً مشاهداً عندما اعتقدوا هذه الصفة في قلوبهم وتعبدوا بها لله جل في علاه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إلا أنه بقي يحمد الله ويشكر الله جل في علاه ليل نهار، وكان يشكر الله قولاً باللسان واعتقاداً بالجنان وعملاً بالأركان، فكان يقوم الليل كله، وتقول عائشة:(يا رسول الله! لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: أفلا أكون عبداً شكوراً)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله ويعمل بما أمر الله به من الحمد، وكان صلى الله عليه وسلم يقول:(من لم يشكر الناس لا يشكر الله) جل في علاه، فالمعتقد أن النعم التي أتته هي من قبل الله يعتقد أن الله قد سبب أسباباً لهذه النعم التي آتاه إياها، فهذه الأسباب لا بد أن تشكر، والذي يجحد بهذه الأسباب لزاماً لا بد أن يجحد بالمسبب؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من لم يشكر الناس لا يشكر الله) جل في علاه، وهذا طبقه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأتسي به صلى الله عليه وسلم، بل طبقه مع الكافر قبل المسلم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشكر صنائع الكافر قبل أن يشكر المسلم، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة مغتماً حزيناً حين طرده أهل الطائف دخل في جوار المطعم بن عدي فأخذ المطعم بن عدي السيف وأخذ أولاده وقال: إن محمداً في جواري، فاشترط عليه كفار قريش أن يتعبد ربه في سره ولا يكشف لهم ما يتعبد به، فشكر له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وهو كافر، فقال في أسرى يوم فتح مكة:(لو كان المطعم حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لدفعتهم إليه) شكراً له، بل أرقى من ذلك وأوجب وأقوى من ذلك عندما تتدبر هذه الصفة الجليلة لله جل في علاه، وذلك حين يشكر الله المرء إذا أحسن للكلب أو أي حيوان آخر، فإن الله يحمد عباده على حسن صنيعهم مع العجماوات، فهذه بغي من بني إسرائيل تزني كل ليلة وتضاجع رجلاً، وتأكل من فرجها، وتأتي ما يغضب الله سبحانه، فكانت مرة في صحراء وبلغ منها العطش مبلغه فوجدت بئراً فنزلت فيها وشربت، ولما خرجت رأت كلباً يلهث، قالت: إن العطش بلغ من هذا الكلب ما بلغ مني، فنزلت فسقت الكلب فشكر الله لها فغفر لها، فانظروا حمد الله جل في علاه لعباده، كذلك العباد لا بد أن يحمدوا الله على ذلك.
وانظروا كيف يطبق النبي صلى الله عليه وسلم التعبد بهذه الصفة عندما يحمد أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه على حسن صنيعه معه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(سدوا كل خوخة إلا خوخة أبي بكر فإنه أتاني بأهله وماله)، فهذا شكرٌ لـ أبي بكر على ما صنع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظروا كيف يشكر الله أبا بكر رضي الله عنه -وإن كان في إسناد هذا الحديث نظر، والراجح فيه الصحة والله تعالى أعلى وأعلم- فقد جاء في الحديث:(أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس، وجلس أمامه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه عليه ثياب خلقة رثة، فجاء جبريل فقال: يا محمد! ألق السلام على أبي بكر وقل له: إن ربك يلقي عليك السلام وهو عنك راض، فهل أنت راض عن الله؟) جل في علاه، يعني: عن أفضال الله عليك بعدما أنفقت مالك عن بكرة أبيه في الدعوة إلى الله جل في علاه، فهذا شكر الله لـ أبي بكر؛ إذ يرسل جبريل عليه السلام من فوق سبع سماوات ليلقي السلام ويبين الرضا عن أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، حمداً لحسن صنيع هذا العبد.
وكما قلت: لا بد لنا أن نتدبر هذه الصفات الجليلة ونتعبد لله بها، فعلى العبد كل حين وكل آن أن يحمد الله ليل نهار على لسانه الذي يذكر به الله جل في علاه، وعلى أذنه التي يسمع بها كتاب الله جل في علاه وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى يده التي يكتب بها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو القرآن أو يبطش بها في الحق، وعلى بصره الذي لا ينظر به إلا إلى ما يرضي الله جل في علاه، وإن نعائم الله تتنزل على العبد تترا فلابد أن يشكر العبد ربه ويتعبد لله بهذه الصفة الجليلة صفة الحمد لله جل في علاه.