للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثبوت صفة الحلم لله تعالى بالكتاب والسنة والإجماع]

صفة الحلم صفة ذاتية ثبوتية، قد ثبتت لله في الكتاب وفي السنة وبإجماع أهل السنة، أما في الكتاب فقد قال الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:٤٤]، وأيضاً في دعاء الكرب في الحديث المتفق عليه بين البخاري ومسلم: (لا إله إلا الله العظيم الحليم)، فهذه نصوص على أن صفة الحلم ثابتة لله، والاسم يتضمن صفة كمال، فالحليم يتضمن صفة الحلم: ومعنى الحلم هو: الذي لا يعجل بالعقوبة سبحانه وتعالى، فإنه يملي للعباد ولا يهمل؛ لأنه إذا أخذ لم يفلت، فهو يملي للعباد، ويفتح لهم أبواب التوبة والأوبة والرجوع إليه سبحانه وتعالى، فإنه حليم، وانظروا إلى حلم الله جل في علاه المتدفق على عباده المؤمنين والكافرين، ترون أعجب ما ترون من حلم الله جل في علاه بعد علمه، إذ يرى الذين يعيثون في الأرض فساداً فيحلم عليهم ويفتح لهم أبواب التوبة، بل يرضى منهم التوبة والأوبة والرجوع إليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (ما رأيت أحداً أصبر على أذى من الله، يسبونه، وينسبون له الولد، وهو مع ذلك يطعمهم ويسقيهم ويرزقهم ويعافيهم) جل في علاه.

أيضاً انظر إلى الذين يعيثون في الأرض فساداً، ويسومون أهل الإسلام سوء العذاب، والمؤمن الموحد المخلص لله جل في علاه أفضل عند الله من الكون بأسره، أفضل من السماء والأرض والجبال والأنهار والجنات، بل شرف المؤمن أشرف عند الله من شرف الكعبة، فقد جاء عن ابن عباس بسند صحيح أنه كان يطوف بالكعبة ويقول: أنت الكعبة شرفك الله وعظمك، وحرمك، وعظمة دم المرء المسلم عند الله أشرف منك وأعظم منك.

بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً: (إن حرمة دم المسلم عند الله أعظم من حرمة الكعبة)، وأيضاً: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسندٍ صحيح أنه: (لو تمالأ أهل الأرض وأهل السماء على دم امرئ مسلم -يعني: ظلماً- أكبهم الله في النار ولا يبالي)، من عظم حرمة دم المسلم عند الله جل وعلا، وأنتم ترون الآن دول أهل الكفر يسومون أهل الإسلام سوء العذاب، والله بحلمه يتدارك أهل الإسلام، وبحلمه يفتح أبواب التوبة لهؤلاء الكفار، وانظروا إلى قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج:١٠] أي: يريدون ردهم عن التوحيد، فقد حفروا الأخاديد وأججوها ناراً، وقذفوهم فيها، ورغم ذلك فإن الله تعالى يقول في هؤلاء الكفار: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:١٠]، والشاهد: قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج:١٠]، (ثم) هنا: للتراخي، بعدما حفروا الأخاديد وأججوها ناراً وأقحموا الناس فيها يقول الله عز وجل لهم: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج:١٠] فعلى الرغم من شناعة هذه الأفعال يفتح الله لهم باب التوبة ويقول: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:١٠]، فاعلموا أن حلم الله جل في علاه يتدارك الكافرين قبل أن يتدارك المؤمنين، فما بالكم بحلم الله على المؤمنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>