[تعظيم الصحابة الكرام لله ولرسوله ولأوامرهما]
قال الله تعالى في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح:٩] أي: تعظموه، ومن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم: موقف أبي بكر رضي الله عنه عندما قال عروة بن مسعود: (والله ما أرى حولك إلا أوباشاً من الناس -يحقر من شأنهم- أو قال: ما أرى حولك إلا أشواباً من الناس -يعني: أخلاطاً سيفرون منك عما قريب- فقال أبو بكر: نحن نفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، امصص بظر اللات) وهذه مسبة فاحشة كانت في العرب، انظروا قالها بكل جرأة، وسمعها النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عنها، ولذلك أنزل الله جل في علاه موافقاً لما فعل أبو بكر هذه الآية: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:١٤٨] يعني: أن من ظلم فله أن يرد، فلما ظُلم أبو بكر وظلم الصحابة؛ ردَّ أبو بكر هذا الردَّ على عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه وأرضاه قبل أن يسلم.
وهذه دلالة بيِّنة على تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تحقق تعظيم الله في قلب أبي بكر عندما كان على فراش الموت، فقد قام ينصح عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قائلاً: (يا عمر! إن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وإن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار)؛ تعظيماً لأوامر الله جل في علاه؛ بل تعظيماً لانتهاك حرمات الله جل في علاه.
أرأيت هذا العبد الذي كان يتكهن ويأتي أبا بكر كل يوم أو كل ليلة بالخراج فيأكل منه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، وكان يسأله من أين هذا؟ وفي ذات مرة نسي أبو بكر أن يسأل هذا العبد فأكل من الخراج فجاءه العبد فقال: يا أبا بكر لِمَ لِمْ تسألني من أين هذا؟ قال: من أين هذا؟ قال: هذا خراج كهانة كنت قد تكهنتها في الجاهلية، فأدخل أبو بكر إصبعه في فيه، وتقيَّأ كل ما في بطنه؛ ورعاً منه وتقوى وتعظيماً لله عز وجل ولأوامره.
وهذا عمر بن الخطاب من تعظيمه لقدر الله وتعظيمه لقدر النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال في صلح الحديبية: (يا رسول الله لم نعطي الدنية في ديننا؟ ألسنا على الحق؟ قال: بلى، أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله ولن يضيعني الله، ثم ذهب إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: فلم نُعطي الدنية في ديننا؟ فقال له أبو بكر: الزم غرزه) أي: الزم أمره.
فتعظيماً لقدر النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر: ما ندمت على شيء مثل ما ندمت على هذا القول، ثم قال: وفعلت لذلك أفعالاً من صدقة وقيام وصيام واستغفار؛ لأنه عارض النبي صلى الله عليه وسلم فيما فعل.
فكان الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم أعظم الناس تقديراً لحرمات الله جل في علاه، ولحرمات الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال أنس رضي الله عنه وأرضاه للتابعين حين ساءته أفعالهم: (والله إنكم لتفعلون أفعالاً هي في أعينكم أدق من الشعر كنَّا نعدُّها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات).
وهذا ابن مسعود يعاتب أصحابه ويبين بأن المعظم لحرمات الله يرى المعصية الصغيرة كالجبل الشاهق في السماء، والكافر أو المنافق يرى المعصية الكبيرة كالذبابة على أنفه يهشها هكذا بيده.
هذا من عدم تعظيم قدر الله، وتعظيم عظمة الله جل في علاه، فعلى العبد أن يتصور ذلك، وأن يتدبر هذا، ويقرأ سيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف عظموا الله جل في علاه؛ حتى يصل بهذا التعظيم إلى تعظيم لقاء الله جل في علاه.