للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التسليم التام لظاهر كلام الله ورسوله]

يجب على كل إنسان أن يعلم: أن الله أنزل الكتاب بلسان عربي مبين؛ لكي يفقه كل عربي عن الله مراده من ظاهر كلام الله جل في علاه، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:١٩٢ - ١٩٥].

ويقول تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:٢]، والحكمة من كونه عربياً أن تعقلون ما يقال لكم؛ لأنه نزل بلغتكم.

إذاً: فالضابط الأول: أن نأخذ بظاهر اللفظ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن نسلم لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فمثلاً قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠]، ظاهر اللفظ أن لله يداً، واليد عند العرب معناها اليد التي بها يكون البطش، فإذا كانت معلومة يجب علينا أن نأخذ بظاهرها، فتبقى كلمة اليد على ما هي عليه في اللغة، ولا يجوز تأويلها بالنعمة أو القدرة؛ لأن الله أنزل القرآن بلسان عربي مبين وقال: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠].

ولله سبحانه وتعالى أصابع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحمل الأشجار على ذه،، ويشير إلى أصابعه)، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي على أن لله أصابع، وجاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه أنه قال: (قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) سبحانه جل في علاه.

فهنا أثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن لله أصابع، فالواجب علينا أن نسلم لكلامه صلى الله عليه وسلم، ولا نؤول الأصبع بالنعمة أو القدرة.

وقال الله تعالى عن سفينة نوح: ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا))، فالعين معلومة في اللغة العربية، ومعنى ذلك أن لله عيناً، وقد قال الله لموسى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩]، فالواجب أن يمر هذا اللفظ على ظاهره، وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:٤٢] فله سبحانه وتعالى ساق.

إذاً: فالضابط الأول أن نمرر قول الله على ما هو عليه بنفس المعنى العربي المبين، ومن أوّل (اليد) بالقدرة و (العين) بالرعاية فقد وقع في ما حذر الله منه بقوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٦٩] وقوله: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:٣٦]، ولا يجوز كذلك أن نؤول الضحك بالرحمة، ونقول: إن الله يضحك: أي يرحم، فقد جاء أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبر أن الله يضحك، فقال: يا رسول الله! ما الذي يضحك الرب؟ (قال: أن تخلع درعك) يعني: تظهر الشجاعة والصدق، (أن تخلع درعك وتدخل على العدو تقاتل من أجل الله فتقتل مقبل غير مدبر) قال: يضحك ربنا من ذلك؟ قال: يضحك ربنا من ذلك، فخلع درعه ثم قال: لن نعدم خيراً من رب يضحك)، فقد علم ذلك الصحابي أن الله يضحك، ولازم الضحك أنه سيثيب عباده الذين ضحك لهم.

قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} [الفيل:١ - ٣].

قال محمد عبده رحمه الله وغفر له زلاته -وهو من المدرسة العقلانية مدرسة الاعتزال، وهم يقدمون العقل على النقل- يقول: إن معنى طيراً أبابيل أي الجدري، ومرة أخرى يقول: المد والجزر، فأول وحرف كلام الله، وبدلاً من أن يفسره بلسان عربي مبين جعله أعجمياً فأوله وحرفه، وكأنه بلسان حاله يقول: ربنا! ليس هذا الكلام الذي نعقله عنك بصحيح، فكأن كلام الله جل في علاه لا يعقله أحد من العرب، والله أنزله بلسان العرب.

إذاً فالضابط الأول: التسليم التام لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>