[ما يجب على العبد من تعبد لله بصفة الربوبية]
ينبغي على الإنسان أن يعلم أن الرزاق هو الله، وقد ضرب الله لنا صراطاً على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم يسير على نهجه المستيقن في ربه أنه هو الذي بيده الرزق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) فالرزق يسعى خلف المرء كما يسعى إليه الموت، فعليه أن يتقي الله، وأن يجمل في الطلب، ولا يكن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حمار بالليل جيفة في النهار)، والرزق المقدر والمكتوب سيأتي، ولن يستطيع الإنسان أن يزيد عليه أو ينقص منه، وكما ورد في بعض الإسرائيليات -وهي لا تصدق ولا تكذب-: عبدي! خلقتك للعبادة فلا تلعب، وقسمت لك الرزق فلا تتعب، فإن أنت رضيت بما قسمته لك كنت عندي محموداً، وإن لم ترض بما قسمته لك وعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية، ولن تأخذ إلا ما قسم لك، وكنت عندي مذموماً.
فعلى الإنسان أن يتقي الله، وأن يعتقد الاعتقاد الصحيح في ربه، وليعلم أن رزق الله جل في علاه لا ينفد أبداً، وأنه بيد الله، ليس بيد البشر، فلا يمل قلبه للبشر ولا يعتقد فيهم اعتقاداً يجعله يشرك بالله جل في علاه، قال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقُ مِثْلَمَا أَنَّكُم تَنْطِقُوْنَ} [الذاريات:٢٢ - ٢٣]، ولذلك فإن الأعرابي قال: ومن ذا أغضب الجبار ليقسم على هذا؟ فإن الرزق في السماء وليس في الأرض، والدلالة على أنه في السماء: أنه لا أحد يملكه إلا رب السماء سبحانه جل في علاه.
وعلى الإنسان كذلك أن يعلم أن أمره كله بيد الله، وأن يرفض بقدر الله وبتدبير الله له، فهو الذي يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون.
وقد كان عمر بن عبد العزيز يصبح فرحاً بتدبير الله له، فالله يعلم ما يصلح أمر هذا الإنسان وما يفسده، كما ورد في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر، ولو أغنيته لفسد حاله، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى، وإن أفقرته لفسد حاله)، وهو حديث ضعيف، لكن يستأنس به.
فليعلم العبد أن الله يدبر له أمره، ولن يتركه سدى، وأنه سيحوطه بتدبيره وكرمه وعطائه جل في علاه.
هذا الذي فهمه الصحابة، وفهمه الرسول صلى الله عليه وسلم، فعندما رأت فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، ما ينزل بأبيها من البلاء، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سوء على أبيك، ثم قال: والله لن يترك هذا الدين بيت مدر ولا وبر إلا دخله بعز عزيز أو بذل ذليل) فعلم وأيقن بتدبير ربه جل في علاه.
ويقول الله عز وجل عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣]، وذلك لما قيل لهم: إن المشركين قد أعدوا العدة لاستئصالكم، فاعتقدوا أن صلاح شأنهم بيد الله، فهو المدبر سبحانه وتعالى، ولما حاصروهم في المدينة قام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحفر الخندق ويحمل الحجر والصخر معهم ويقول: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخره اللهم انصر الأنصار والمهاجرة) واعترضت صخرة كبيرة على الصحابة واستنصروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ المعول فضربها، وهو يعتقد ويعلم أن الله جل وعلا هو الذي يدبر له الأمر أولاً وآخراً، فلما ضربها قال: (الله أكبر! أعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، أو قال: الأحمر والأصفر)، وهي كنوز كسرى وقيصر، كما رأى أن سراقة ارتدى سواري كسرى، فالصحابة عندما رأوا ما رأوا من حصار القوم لهم {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب:٢٢]، وقد كانوا قليلين يخافون على أنفسهم، حتى إن أحدهم يخشى على نفسه من الذهاب لقضاء الحاجة، ولكن لما اعتقدوا في الله الاعتقاد الصحيح، وعلموا أن الله لا بد أن ينصر دينه، نصرهم الله ورفعهم، وجعل لهم القيادة والريادة؛ لأنه الخالق الرازق المدبر سبحانه وتعالى.
إن الله سبحانه أحسن تدبير يوسف عليه السلام وهو طفل صغير عندما كان في غيابة الجب، حتى أعطاه خزائن مصر، وجعله ملكاً عليهم، بعد أن عانى ما عانى في غيابة الجب، فالله دبر أمره وقال: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٢١].
هذا الاعتقاد غاب عند كثير من الناس، فما علموا أن القوة والقدرة والعدة بيد الله، وأن الخلق والرزق والتدبير كله بيده جل في علاه، بل إن من الملتزمين من يضعف اعتقاده بالله وبتدبيره لشئون الكون، فيميل قلبه لمديره أو رئيسه في العمل، ولا يميل قلبه لله جل في علاه، يميل قلبه للسبب ولا يميل للمسبب.