اعلم أن قرب الله من عباده لا ينافي علو الله جل في علاه؛ لأن التأصيل العام والتقعيد العام الذي قعده الله لنا في كتابه هو قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥]، ولذلك نقول: لا ينافي العلو القرب، فهو قريب في علوه، وعليّ في قربه جل في علاه، ولا يقال: إن الله حال فينا كما قال غلاة الصوفية، فهم يقولون: بأن الله في كل مكان، حتى قال قائلهم وهو ابن عربي الكافر النكرة عليه من الله ما يستحق، وقال: وكل كلام في الكون كلامه.
يعني: كل الكلام الذي يقال فهو كلام الله.
وكان الحلاج يقول: ما في الجبة إلا الله، فهؤلاء يقولون بقرب الله وأن الله في كل مكان، وهم أصحاب عقيدة الاتحاد والحلول والعياذ بالله.
أما أهل السنة فيقولون: قريب في علوه، عليّ في قربه، وجاء عن ابن عباس أنه قال: إن الكون كله بمراميه الشاسعة في يد الرحمن كحبة خردل في يدك أنت، فكيف لا تقتنع ولا تستيقن بأن الله قريب منك وهو على العرش مستوٍ سبحانه جل في علاه.
ومن معاني الباطن: أنه يعلم كل شيء، فيعلم دقائق الأمور وجليلها، قال تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:١٩]، فالله قريب إلى قلبك، يعلم نبضات قلبك سبحانه جل في علاه، فلا تواري عنه سماء سماءً، ولا أرض أرضاً، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره سبحانه، فهو قريب يسمع دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، ويرى مخ سوقها سبحانه سبحانه سبحانه.
وهو لقربه منا يعلم أنفاسنا، ويعلم ما يختلج في الصدور.