لأهل طاعته من ثواب جزيل ونعيم مقيم. وحين يحترق قلبه من الأسى والحزن متحسرا على ما ضاع من عمره، غير مصروف إلى ذكر الله تعالى وشكره. وقوله:(هو المجتبى): أي المختار (يغدو):
يعني يمر. و (المستمال): الذي يطلب إليه الميل. و (المؤمل): الذي يؤمل ويرجى عنه الشدائد.
والمعنى: أن المستهدي هو المختار عند الله سبحانه وهو الذي سبقت له الحسنى. يمر على الناس قريبا من الله تعالى لإيمانه وإحسانه؛ ومن الناس بتواضعه لهم وخفض جناحه. غريبا لغرابة مسلكه، وندرة حاله، وعزة أشكاله في شدة التمسك بالحق؛ لأنه كالقابض على الجمر مستمالا يطلب منه من يعرف حاله الميل إليه والإقبال عليه. مؤملا مرجوّا عند نزول الشدائد ليدعوا بكشفها وإزالة آثارها.
٨٨ - يعدّ جميع النّاس مولى لأنّهم ... على ما قضاه الله يجرون أفعلا
٨٩ - يرى نفسه بالذّمّ أولى لأنّها ... على المجد لم تلعق من الصّبر والألا
المعنى: يعني أن المجتبى يعتقد كل الناس سادات تواضعا منه لله سبحانه، فلا يحتقر أحدا من عباد الله صالحا أو طالحا؛ لأن أفعالهم تجري على ما سبق به القضاء، وكتب القلم ويصح أن يكون.
المعنى: أن المجتبى يعد كل واحد من الناس عبدا مقهورا لله تعالى، لا يملك لنفسه فضلا عن غيره نفعا ولا ضرّا؛ لأن جميع أعمالهم تجري على وفق القضاء السابق، فلا يرهب أحدا ولا يتملق لأحد. فعلى المعنى الأول: يكون المقصود وصف المجتبى بالتواضع والبعد عن الكبر والعجب. وعلى الثاني: يكون المراد وصفه بالتوكل على الله وحده وقطع طمعه في الخلق. ثم بين الناظم أن هذا المجتبى يرى نفسه أولى بالذم وأحق به من غيرها؛ لأن نفسه لم تتحمل المشاق والمكاره، ولم تتناول ما هو مرّ المذاق في تحصيل رفعة القدر وسمو المنزلة عند الله تعالى، فهو لا يشغل نفسه بعيب الناس وذمهم، بل يرى أن ذم نفسه أولى واتهامها بالتقصير في الطاعات أحرى. فالمراد من قوله:(لم تلعق من الصبر) أن نفسه لم تتحمل المكاره والمشاق في سبيل تحصيل ما يرفع مكانتها ويعظم أجرها عند الله تعالى والصبر بفتح الصاد وكسرها مع سكون