ولما لم يحسن «إظهار» النون قبل الباء ولم يحسن «إدغامها» فيها كان لا بدّ من البحث عن حرف من الحروف «يؤاخي النون في الغنة»، «ويؤاخي الباء في المخرج» فكانت «الميم» أنسب الحروف لانطباق الصفتين المذكورتين عليها تمام الانطباق وبناء علي ذلك تحل «الميم» محل «النون» فيسهل النطق بها مخفاة قبل الباء ويمكن أن ندلل علي ذلك بما نفعله نحن بقصد التسهيل والتيسير حين نتحدث العامية فنقوم من تلقاء أنفسنا وبالفطرة ودون معلم بقلب النون ميما حال وقوعها قبل الباء فنقول مثلا: (موجز الأمباء) ونقصد «الأنباء» ونقول («يمبني») نقصد «ينبني» أي يبني، ونقول (ممبرّه) أي (من برّه) و (جمبي) أي «جنبي». و (يمبلع) أى (ينبلع).
ولو تأملنا كيفية نطق تلك الكلمات لوجدنا أن اللسان كف عن قرع مخرج النون وقامت الشفتان بنطق «الميم» بدلا من «النون» كنوع من التيسير التلقائي ومعني ذلك أن النون قد سقطت لفظا (أي انعدمت صورتها التي يتلفظ بها)، أما (صورتها المرئية) أي المرسومة خطا فتبقى على هيئتها المخطوطة في المصحف برسمها المعهود ونرمز لما جرى عليها من قلب بوضع «ميم» صغيرة فوقها نحو (جنب)، (من بعد). هذا بالنسبة للنون الساكنة، أما نون التنوين فهي أصلا لا وجود لها خطا، وإنما يرمز لها بالحركتين فتحا وضما وكسرا هكذا:() ولكنها موجودة لفظا بهيئتها الصوتية المنطوقة. ولما كانت نون التنوين تشارك النون الساكنة جميع أحكامها كان لزاما علينا
أن نسقطها كذلك «لفظا» كلما استحق التنوين حكم الإقلاب. ويرمز للإقلاب في تلك الحالة بحذف إحدى حركتي التنوين (فتحا وضما وكسرا) وترك الأخرى والتعويض عن المحذوف برسم ميم صغيرة مع الحركة الباقية منهما هكذا () ومثال ذلك حال النصب (هنيئا بما أسلفتم)، وحال الرفع (عليم بذات الصدور)، وحال الكسر (كرام بررة).