لمعرفة مخارج الحروف وصفاتها أهمية قصوى بالنسبة لكل من أراد أن يقرأ القرآن. بل لا أكاد أكون مبالغة إذا قلت أنها تعد من أهم المعارف وأشدها ضرورة لكل متعلم وطالب لعلم التجويد ولكل متحدث أو قارئ للغة العربية. فالحروف هي مفردات الكلمة؛ والكلمات هي مفردات اللغة أو الكلام. وبغير اللغة العربية لا يمكننا قراءة كتاب الله ومطالعته ناهيك عن فهم معانيه دون الاستعانة بمساعدة مترجم أو من يحل محله. ولا تكون قراءتنا صحيحة إلا إذا كانت على الوجه التي قرئ به القرآن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكي نجاهد من أجل الوصول بأنفسنا إلى تلك الدرجة العالية من صحة التلاوة لا بدّ أن نتوخى تدريب ألسنتنا مرارا وتكرارا على تصحيح ما طرأ على مخارج حروفنا وصفات تلك الحروف من تحريف خلال الأربعة عشر قرنا التي تفصل بين زماننا وزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان القرآن يقرأ غضا نديا من أفواه أسلافنا العرب. ولسنا بسبيل مناقشة الأسباب والعوامل التي أدت بنا إلى تلك التغيرات، ولكني أردت بتلك المقدمة أن ألفت نظر الدارسين لعلم التجويد إلى أن الركن الركين لتحقيق قراءة نموذجية سليمة خالية من العيوب اللفظية يبدأ بالدرجة الأولي بتعلم مفردات الحروف حرفا حرفا حتى نتبين من أين يخرج ذلك الحرف الذي تعودنا أن نخرجه بالفطرة والسليقة من المكان الذي نظن أو نعتقد أنه المخرج الصحيح له، وقد لا يكون كذلك. وقد لا يقتصر الأمر على عدم درايتنا بمكان خروج ذلك الحرف، بل يتعداه إلى عدم درايتنا كذلك بالكيفية التي يجب أن نخرجه بها من مخرجه الحقيقي لكي يصل إلى السامع سليما معافي خاليا من العيوب.
وإذا كانت سلامة النطق ووضوح الكلام ضرورة اجتماعية لكل إنسان ناجح في مجتمعه فهي بالدرجة الأولي واجب ديني على كل مسلم وعلي كل قارئ