اليوم؟ وكيف حفظه الله، وحوفظ عليه حتى وصل إلى أيدينا فى عهدنا هذا؟
وإذا كان هذا التساؤل قد طاف بخواطر الكثيرين منا ممن لم تتح لهم الفرصة لمعرفة تاريخ تدوين ما يسمى «بالمصحف العثمانى» فها نحن نحاول أن نجيب عن ذلك التساؤل فى غير إسهاب:
حينما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة ودخل فى الإسلام بعض ممن عرفوا الكتابة من الصحابة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعوهم لكتابة ما نزل من القرآن أولا بأول، وكان كل واحد منهم يحتفظ بما كتبه في مكان يأمن فيه على ما كتب من الضياع.
ولما لم تكن الكتابة على الورق أمرا ميسورا لكل من أراد الكتابة كما هو الحال اليوم، لذا فقد لجأ العرب في ذلك الوقت إلى الكتابة على (العسيب) وهو جريدة النخل العريضة. وكتبوا على (الرقعة) وهى القطعة من الجلد أو الورق وكتبوا على اللوح وهو الصفحة العريضة من الخشب. وكتبوا على أضلاع الحيوانات (كالإبل والنوق). وأذن الله لرسوله بالهجرة إلى المدينة فزاد اهتمامه بكتابة الوحى، وعمل على محو أمية الكثير من المسلمين، وجعل فدية الأسير لفك رقبته أن يعلم عشرة من المسلمين فزاد عدد كتاب الوحى فلم يتم نزول القرآن حتى كانوا أكثر من أربعين كاتبا من بينهم عدد غير قليل من حفظة القرآن فلما تولى أبو بكر الخلافة وأرسل الجيوش لمحاربة المرتدين استشهد عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى حرب «مسيلمة» استشهد عدد آخر أكبر، وكان من بينهم نحو سبعين من حفظة القرآن. فأشار عمر على أبى بكر أن يجمع القرآن حتى لا يتعرض نص من نصوصه للضياع باستشهاد القراء منهم وأصحاب النبى. وتردد أبو بكر فى قبول ذلك الرأي لأنه كان يتحرج من أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول وهو جمع القرآن. ولكن عمر ما زال به حتى أقنعه فدعا أبو بكر «زيد بن ثابت» رحمه الله، وكان شابا قويا صبورا عاقلا من كتّاب الوحي وقد شهد العرضة الأخيرة للقرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فكلفه أن يتتبع القرآن فيجمعه.