يزل عالماً بنفسه؟ اختلفوا, فمنهم من يقول: لم يكن يعلم نفسه حتى خلق العلم لأنه قد كان ولما يفعل ومنهم من يقول: لم يزل يعلم نفسه فإن قلت لهم: فلم يزل يفعل؟ قالوا: نعم ولا نقول يقدم الفعل.
١١ - ومنهم من يقول: العلم صفة لله - سبحانه - في ذاته وأنه عالم في نفسه غير أنه لا يوصف بأنه عالم حتى يكون الشيء فإذا كان قيل: عالم به وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنه عالم به لأن الشيء ليس وليس يصح العلم بما ليس وهذا قول يحكى عن السكاكية.
١٢ - وفريق يقولون: لم يزل الله عالماً والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنه عالم بالشيء حتى يكون كما أن الإنسان موصوف بالبصر والسمع ولا يقال أنه بصير بالشيء حتى يلاقيه الشيء ولا سميع له حتى يرد على سمعه وكما يقال عاقل ولا يقال عقل الشيء ما لم يرد عليه.
١٣ - وحكى الجاحظ أن هشام بن الحكم قال: إن الله - سبحانه - إنما علم ما تحت الثرى بالشعاع المنفصل منه الذاهب في عمق الأرض فلولا ملامسته لما هناك بشعاعه لما درى ما هناك فزعم أن بعضه مشوب وهو شعاعه وأن الشوب محال على بعضه.
١٤ - وطائفة يقولون: أن معبودهم لا يوصف بأنه لم يزل قادراً ولا إلهاً ولا رباً ولا عالماً ولا سميعاً ولا بصيراً حتى يحدث الأشياء لأن الأشياء التي كانت قبل أن تكون ليست بشيء ولن يجوز أن يوصف بالقدرة على غير شيء.
١٥ - وحكى حاك أن قائلا من المشبهة: إن البارئ لم يزل حيا ثم صار حيا.
١٦ - وعامة الروافض يصفون معبودهم بالبداء ويزعمون لأنه تبدو له البدوات ويقول بعضهم: قد يأمر ثم يبدو له وقد يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات ثم لا يفعله لما يحدث له من البداء وليس على معنى النسخ ولكن على معنى أنه لم يكن في الوقت الأول عالماً بما يحدث له من البداء.
١٧ - وسمعت شيخاً من مشايخ الرافضة وهو الحسن بن محمد بن جمهور يقول: ما علمه الله - سبحانه - أن يكون ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز أن يبدو له فيه وما اطلع عليه عباده فلا يجوز أن يبدو له فيه.
١٨ - وقالت طائفة: أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها لأنه لو علم من يعصي ممن يطيع حال بين العاصي وبين المعصية.