١٩ - وقالت طائفة من المعتزلة: إن الوصف لله بأنه سميع من صفات الذات غير أنه لا يقال يسمع الشيء في حال كونه وقد ذهب إلى هذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائي وزعم أنه يقال: إن الله لم يزل سميعاً ولا يقال: لم يزل سامعاً ولا يقال: لم يزل يسمع فيلزمه إذا لم يقل البارئ لم يزل سامعاً أن يقول: لم يزل لا سامعاً وإذا لم يقل: لم يزل يسمع أن يقول: لم يزل لا يسمع وإذا لم يقل: لم يزل مبصراً مدركاً أن يقول: لم يزل لا مبصراً ولا مدركاً كما ألزم من لم يقل أن الله لم يزل عالماً أن يقول: لم يزل لا عالما.
وكذلك يلزم عباداً في إنكاره القول: إن الله لم يزل سميعاً بصيراً أن يقول: إن الله غير سميع ولا بصير كما ألزم من لم يقل: إن الله لم يزل عالماً قادراً أن يقول: لم يزل غير عالم ولا قادر.
ويقال له: أليس لا تقول: إن الله لم يزل سميعاً ولا تلزم نفسك أن يكون له سمع محدث؟ فما الذي تنفصل به من مخالفيك إذا أنكروا القول: إن القديم لم يزل عالماً ولم يقولوا: إنه ذو علم محدث؟
٢٠ - وقال شيطان الطاق وكثير من الروافض: أن الله عالم في نفسه ليس بجاهل ولكنه إنما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها فأما من قبل أن يقدرها ويريدها فمحال أن يعلمها لا لأنه ليس بعالم ولكن الشيء لا يكون شيئاً حتى يقدره وينشئه بالتقدير والتقدير عندهم الإرادة.
٢١ - وحكى أبو القاسم البلخي عن هشام بن الحكم أنه كان يقول: محال أن يكون الله لم يزل عالماً بنفسه وأنه إنما يعلم الأشياء بعد أن لم يكن بها عالماً وأنه يعلمها بعلم وأن العلم صفة له ليست هي هو ولا غيره ولا بعضه ولا يجوز أن يقال في العلم: إنه محدث أو قديم لأنه صفة والصفة عنده لا توصف. قال: ولو كان لم يزل عالماً لكان المعلوم لم يزل لأنه لا يصح عالم إلا بمعلوم موجود.
قال: ولو كان عالماً بما يفعله عباده لم يصح المحنة والاختبار.
وليس قول هشام في القدرة والحياة قوله في العلم إلا أنه لا يقول بحدثهما ولكنه يزعم أنهما صفتان لله لا هما الله ولا هما غيره ولا هما بعضه وإنما نفى أن يكون عالماً لما ذكرناه وحكى حاك أن قول هشام في القدرة كقوله في العلم.