كيف يكون القول فيهما؟ وقد علمنا أن الله - سبحانه - لا يظلم بالدلائل فلذلك نستقبح القول: لو فعل الظلم.
وكان أبو موسى إذا جدد القول عليه قال: لو ظلم مع وجود الدلائل على أنه لا يظلم لكانت تدل دلائل على أنه يظلم وكان يكون رباً إلهاً قادراً ظالماً.
قالوا: فأما الجهل فالقول فيه على وجهين! إن أراد السائل بالجهل الأفعال التي تسمى جهلاً فالقول فيه كالقول في الظلم والكذب وإن أراد جهل الذات بالأشياء على معنى أنها تخفى عليه فنحن لم نقل أنه قادر على أضداده.
١٦ - وكان بشر بن المعتمر إذا سئل فقيل له: هل يقدر الله - سبحانه - أن يعذب الطفل؟ قال: نعم ولو عذبه لكان كافراً بالغاً مستحقاً للعذاب.
١٧ - وكان أبو الهذيل إذا قيل له: فلو فعل الله الظلم قال: محال أن يفعله.
١٨ - وكان محمد بن شبيب يقول: يقدر الله أن يظلم ويجور ويكذب ولكن الظلم والكذب لا يكونان إلا ممن به آفة فعلمت أنه لا يكون من الله -عز وجل-.
واعتل بأن الله - سبحانه - لو خبرنا أنه لا يدخل هذه الدار إلا حمار وكان الإنسان قادراً على دخولها لم تكن قدرته على ذلك قدرة على أن يكون حماراً فكذلك الجور لا يكون إلا من منقوص وليس قدرة البارئ على الجور قدرة على أن يكون منقوصاً.
١٩ - وقال بعض المتكلمين: يقدر الله أن يفعل الظلم وخلافه والصدق وخلافه قال: فإن قال قائل: أفمعكم أمان من أن يفعله؟ قلنا: نعم هو ما أظهر من حكمته وأدلته على نفي الظلم والجور والكذب فإن قيل: أفيقدر مع الدليل أن يفعل الظلم والكذب قال: نعم يقدر مع الدليل أن يفعل مفرداً من الدليل لا بأن نتوهم الدليل دليلاً والظلم واقعاً لأن في توهمنا الدليل دليلاً علماً بأن الظلم لا يقع وإذا قلت يفعل الظلم توهمت الظلم واقعاً وعلمته كائناً مع علمك أنه غير كائن ومحال أن يجتمع العلم والتوهم بوقوعه والعلم والتوهم بأنه غير واقع فلم يجز اجتماع هذين التوهمين وهذين العلمين في قلب واحد.
قال: ونظير ذلك أن قائلاً لو قال: يقدر من أخبر الله أنه لا يؤمن على الإيمان؟ قيل له: يقدر مع وجود الخبر أن يفعل الإيمان ولا بأن نتوهم وقوع الإيمان ووجود الخبر ولكن على أن نتوهم وقوع الإيمان مفرداً من وجود الخبر وإلى هذا القول كان يذهب جعفر بن حرب.