المحفوظ ثم هو من بعد ذلك مع تلاوة كل تال يتلوه مع خط كل من يكتبه ومع حفظ كل من يحفظه فكل تال له فهو ينقله إليه بتلاوته وكذلك كل كاتب يكتبه فهو ينقله إليه بخطه وكذلك كل حافظ فهو ينقله إليه بحفظه فهو منقول إلى كل واحد على حياله وهو جسم قائم مع كل واحد منهم في مكانه على غير النقل المعقول من نقل الأجسام وهو مرئي ندركه بالأبصار كذا حكم الكلام عند هؤلاء فهو جسم خارج عن قضايا سائر الأجسام سواه لا يشبهه شيء من الأجسام ولا يشبه شيئاً منها في معناه: إن لم يكن هذا هكذا فليس القرآن مخلوقاً عندهم وليس بمسموع عندهم.
٢ - وقالت طائفة أخرى منهم: القرآن جسم من الأجسام قائم بالله في غير مكان ومحال أن يكون بعينه ينتقل أو ينقل لأنه لا يجوز عند هؤلاء النقلة إلا عن مكان فلما كان القرآن عندهم جسماً قائماً بالله لا في مكان وأحلوا الزوال إلا عن مكان أحالوا أن ينقل القرآن ناقل لا الله ولا أحد من خلقه فإذا تلاه تال أو كتبه كاتب أو حفظه حافظ فإنما ذلك عند هؤلاء يأتي به الله: يخلقه مع تلاوة كل من تلاه وخط كل من كتبه وحفظ كل من حفظه فكلما تلاه تال فإنما يسمع منه خلق الله مخترعاً في تلك الحال وكذلك كلما كتبه كاتب فإنما تدركه الأبصار جسماً اخترعه الله في هذه الحال وكذلك إذا حفظه حافظ فإنما يحفظ القرآن الذي خلقه الله في قلبه في تلك الحال وإنما كان هذا هكذا عند هؤلاء لأنه كلام الله -عز وجل- فهو في عينه يخلق في حال بعد حال يخلق مع تلاوة التالي مسموعاً من الله قائماً بالله لا بالتالي ولا بغيره يخلق مع خط الكاتب مرئياً قائماً بالله لا بالكاتب والخط وذلك كله عند هؤلاء أن الله بكل مكان على غير كون الجسم في الجسم وكذلك كلامه قائم بالله فهو بكل مكان على غير ما يعقل من كون الأجسام في الأماكن لأنه قائم بالله والله في مكان وإن لم يكن هذا في القرآن هكذا لم يكن القرآن مخلوقاً ولم يسمع القرآن كما قال الله - سبحانه -: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}[التوبة: ٦] إنما تأويله فأجره حتى يسمع كلام الله من الله لا من غيره ولا بغيره.
٣ - وقالت طائفة منهم أخرى بمثل ما قال هؤلاء: إنه جسم قائم بالله - سبحانه - في كل مكان يخلقه الله -عز وجل- غير أنهم أحالوا أن يكون الله يخلقه بعينه في كل حال ولكن الله يخلق مع تلاوة كل تال وحفظ كل حافظ وخط كل كاتب مثل القرآن فيكون هذا هو القرآن أو مثله بعينه لا هو هو في نفسه