برقاب القوافي، وملك رِقَّ المعاني، فضلُه برهانُ حَق، وشعرهُ لسان صِدقٍ فلان يُغْرِبُ فيما يجلب، ويبدع فيما يبضع، شاعر شعارُهُ أشعارُهُ، ودأبه آدابهُ، هو يبتدىء فيبتَدعُ طبعُهُ يُملي عليه بما لا تمَل آذانُ الاستماع إليه، لبيد عنده بيدٌ، وعَبيد له من جُملة العبيد، الفرزدق عنده أقل من فرزْدَقةِ خمير، وجَريرٌ يُقاد إليه بجرير.
وَصْفُ الكُتبِ الغريبة البليغة وحُسن مواقعها
كتابٌ كتب لي أماناً من الدَّهر، وهنأني في أيام العُمْر، كتاب يسحر العقول، ويملك القلوب، ويشرح الصدور، ويثقل الظهور، كتابٌ الظفرُ به نعيمٌ، والنَّظَر فيه فتح عظيم، كتابٌ أهدى الهدوء إلى قلبي، والمسرَّةَ إلى نفسي، كتابٌ ارتحتُ لعيانهِ، واهتززتُ لعُنوانِهِ، كتابٌ من الكتب الميامين التي تأتي من قِبَل اليمين، كتابٌ هو أنفسُ طالعٍ، وأكرم مُتطلِّع، وأحسنُ واقع، وأجلُّ مُتوقع، كتاب أبليتهُ طياً ونشراً، وقبلتهُ ألفاً وَيَدَ حامله عشراً، كتابٌ كتب لي أماناً من الزمانِ، ووقَعَ مَوْقع الماء من العَطشانِ، كتابٌ هو سَمَرٌ بلا سَهَرٍ، وصَفوٌ بلا كَدَرٍ، وَصَل كتابك فتمتعتُ منه بالعيشِ الأبيضِ، واستلمتُهُ استلامَ الحَجَر الأسودِ، وَصَل كتابك فتناولتهُ كما يُتناول الكتابُ المرقوم، وفضضتُهُ كما يُفض الرّحِيقُ المختوم، وصلَ كتابك فتمتعتُ منه بالعيش منه بالسرور، وحصلتُ منه على اللذةِ والحُبورِ، وصل كتابك بريدَ المُخ، وبشيرَ النعم، وتحفةَ السَّمع، ومتعةَ البصر، فوردتُ منه مُطرباً بلا كَدَرٍ، وسمعت سَمَراً بلا سَهَرٍ.
ألفاظ العيادَةِ
مرِضَ فلحقتْني رَوْعَةٌ، وملكتْني لَوْعَةٌ، وَجَدتُ في نفسي ألماً مِمّا مَسَّهُ، وتَخَوِّنَ أُنسَهُ، بلغني من شِكايَته ما أوحش جنابَ الأنس، وأراني الظلمة في مَطلع الشمس،