كأنها نورٌ، ضميره نارٌ، راحٌ كالنور والنار أصفىَ من البلور، ومن دَمع المهجور أرقّ من نسيم الصَّبا، وأطيب من عهد الصِّبا، أرق من دَمْع محبٍّ، وشكوى صَبٍّ، الكأسُ بلّورة، والخمر ياقوتة، الراحُ ترياقُ سمّ الهمّ. ساقٍ كأن الراح من خدِّه مَعْصور، وملاحة الصورة عليه مقصورٌ، دبت الكؤوس فيهم، دبيب النار في الفحم، والبُرء في السقم، أشربَت الراح عُقولهم، وملكت قلوبهم، تَمشَت الصَّهباء في عظامهم، وتمرقت إلى هامِهم، وماست في أعطافِهم، ومالَت بأطرافهم، بلغوا حَدّاً يوجب الحَدَّ.
الغناء والمُغنّي
غناء كالغِنى بعد الفقر، وهو عُذرٌ، للسكر غناءٌ يبسط أسرّة الوجه، ويرفع حجاب الأذن، ويأخذ بمجامع القلب، ويمتزج بأجزاءِ النفس، غناءٌ يحرّك النفوس، ويرقص الرؤوس، ويُحرِّضُ الكؤوس، قد سمعنا غناءً، يُعيد الأموات أحياءً، فلانٌ طبيب القلوب والأسماع، ومُحْيي موات الخواطر والطباع، القلوب من غنائه، على خطر فكيف الجبوب، وكأنه خلق من كلّ نفس فهو يغني كُلاَّ بما يشتهيهِ، تهيئة السكر على صوته، شهادة لغنائه في القلب، موضع القطر في الجَدْبِ.
في استهداءِ الشراب
قد تألّف لي شمل إخوانٍ، كاد يفترق بعوز المشروب فاعتمدنا فضلك المعهود، وردنا بحرك المورود، قد انتظمت مع نفرٍ من إخواني، في سمط الثريا، فإن لم تحافظ علينا النّظام، بإهداء المدام، صُرنا كبنات نَعْشٍ والسَّلام، فرأيك في إرواء غُلتنا بما ينفعها، والتطوّل على جماعتنا بما يجمعُها.