الآذان فتمجُّها، وتنكرها الطباعُ فترجُّها، كلامٌ لا يرفع السَّمْعُ له حِجاباً، ولا يفتح القلبُ لوفوده باباً، كلامٌ يُصدي الريَّان، ويصدىءُ الأفهام، كلام تُعمَل فيه حتّى تبدَّل، وتكلِّفَ حتى تعسَّف، طبع جاسٍ ولَفْظٌ فاشٍ، كلام كأنّهُ ثَمرٌ قُطِفَ قبل أوانِهِ، وشرابٌ بزُلَ قبل إبّانِهِ، كلامٌ بمثلهِ يتسلّى الأخرَسُ عن كلمِهِ، ويفرحُ الأصم بِصَمَمِهِ، بمثل ذلك الكلام رزق الصَّمْتَ المحبة، وأعطى الإنصات الفضيلة، لفظٌ رَثٌّ، ومعنىً غَثّ، كلام لا طائل فيهِ، ولا طلاوة عليهِ.
ذَمُّ الكاتِب
قد صدىء فَهْمُهُ، وتبلَّدَ طَبْعهُ، وتكدَّرَ خاطِرُهُ، الخرس أَحْسنُ من كلامه، والعيّ أبلغ من بيانِهِ، خاطره ينبو، وقلمه يكبو، فلانٌ كليلُ شَفرة الكلامِ، سريعُ وقع الأقلام، قصير رِشاءِ اللسان، قريب غَوْر البيان، يسهو ويغلط، ويخطىء ويسقط، هو في الأدب دَعى النَسَب، وهو في الكتابة ضَيِّق المضطرب، سَيّىءُ المنقَلَب، فلان قاصِرُ سعيِ البلاغةِ، قصيرُ باعِ الكِتابة.
ذَم الشِّعر والشاعر
أبيات لَيستْ من محكم الشَعْرِ وحكمه، ولا من أحرار الكلام وغرره، شِعْر ضعيف الصِّيغة، رديء الصَّنعةِ، قد جمع فيه بين إقواءٍ وأخطاءٍ وإبطاءٍ، لو شعر بالنقص ما شَعَرَ، ما قطع شِعْرُهُ شَعَرَه، ولا سقى قطره، هو من بين الشعراء، منبوذٌ بالعراءِ، شاعِرٌ باردُ العبارةِ، ثقيلُ الاستعارة، بَغِيضُ الإشارةِ، شعرُه لم يلبس حُلّة الحلاوة، ولم يُطل بالطلاوة.